(وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) كان المناسب لردّ قولهم : آمنّا بالله واليوم الآخران يقول تعالى شأنه : لم يؤمنوا بالله واليوم الآخر نفيا لما ادّعوه من حصول الايمان في الزّمن الماضي لكنّه عدل الى الاسميّة مطلقة عن التّقيّد بالزّمان والمتعلّق اشعارا بنفي الايمان عنهم فطرة وتكليفا ماضيا ومستقبلا متعلّقا بشيء من الأشياء فانّه كما انّ اسميّة الجملة تكون لتأكيد الإيجاب تكون لتأكيد النّفى ، ونفى المطلق يكون لإطلاق النّفى الّا ان يقيّد المطلق بالإطلاق فانّ النّفى الوارد عليه حينئذ قد يكون لنفى الإطلاق (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الخداع والمخادعة والخدع بفتح الفاء وبكسرها مصادر ، والخديعة اسم للمصدر والخدع ان تظهر الإحسان وتبطن الاساءة أو تظهر الموافقة مع ابطان المخالفة ، أو تظهر الاعراض مع ابطان التعرّض ، والخداع مصدر خادع بمعنى خدع أو للمشاركة أو للمبالغة فانّهم بإظهارهم الايمان يظهرون الموافقة مع ابطانهم المخالفة والله تعالى بإمهالهم في الخديعة والانعام عليهم كأنّه يريهم الاعراض والإحسان مع انّه يخفى التّعرّض والاساءة والرّسول والمؤمنون بمداراتهم معهم يظهرون الموافقة مع علمهم بالمخالفة منهم باطنا وابطانهم المخالفة وكأنّهم يغالبون الله والرّسول والمؤمنين في الخديعة ، والمراد بالله واجب الوجود أو الرّسول (ص) أو علىّ (ع) لانّ إلهيتّه تعالى شأنه ظهرت بهما (وَما يَخْدَعُونَ) قرء يخدعون بالبناء للفاعل والمفعول ويخادعون كذلك ويخدّعون من التّفعيل ويخدّعون من الافتعال (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) فانّهم بمخادعة الرّسول والمؤمنين يضرّون بأنفسهم ويحسبون أنّهم يحسنون صنعا لأنّهم ينزلون أنفسهم عن مقاماتهم الانسانيّة المقتضية للصّدق والمحبّة والانس الى الشّيطانيّة المقتضية للكذب والبغض والتوحّش ويقطعون عمّا يجب ان يوصل ويصلون الى ما يجب ان يقطع منه من الرّسول والشّيطان ، والنّفس تطلق على ذات الشيء وعلى النّفس الانسانيّة الّتى هي النّفس الحيوانيّة المستضيئة بنور العقل ؛ ويجوز ارادتهما من الأنفس هاهنا ، وعلى النّفس الحيوانيّة ، وعلى النفس النّباتيّة ، وعلى الدّم لمناسبة ما بين تلك الأنفس والدّم ، وعلى مراتب النّفس الانسانيّة من الأمّارة واللّوّامة والمطمئنّة ، وامّا تفسيرها بالإمام في أمثال : من عرف نفسه فقد عرف ربّه ، وأعرفكم بنفسه أعرفكم بربّه ، واعرف نفسك تعرف ربّك ؛ فانّما هو لكون الامام ذات كلّ شيء ولا سيّما ذات من بايع معه وقبل ولايته (وَما يَشْعُرُونَ) ما يعلمون أو يتفطّنون أو يحسّون بالمدارك وكأنّه أراد به أحد المعنيين الأخيرين حتّى يكون مع ما يأتى من قوله (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) تأسيسا ، وكثيرا ما يستعمل الشعور في الالتفات (١) الى المدرك ، والمقصود انّ خداعهم لأنفسهم من كثرة ظهوره كأنّه محسوس بالحواسّ الظّاهرة ، وعدم ادراكهم له مع ظهوره من عدم التفاتهم وشعورهم مثل من يقع ابصاره على المرئىّ لكن لشدّة اشتغال النّفس بأمر آخر لا يشعر بإدراكه ولم يأت هاهنا بأداة الاستدراك كما أتى بها فيما بعد من قوله (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) وقوله (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) لانّه تعالى جرى في مخاطباته على طريقة المخاطبات الانسانيّة والأغلب انّ المتكلّم في اوّل ذكر ذمائم المذموم لا يكون غضبه شديدا فلا يناسبه البسط والتّأكيد والتّغليظ ولذا لم يؤكّد الكلام السّابق عليه بخلاف ما يأتى ، والمخاطب في اوّل الكلام يكون خالي الذّهن عن الرّدّ والشّك والقبول وعن توهمّ الخلاف والوفاق فلا يناسبه التأكيد واداة الاستدراك أيضا.
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) مستأنفة جوابا عمّا ينبغي ان يسأل عنه من حالهم أو من علّة مخادعة الله أو علّة عدم الشّعور أو مستأنفة للدّعاء عليهم أو حال عن فاعل الفعل الاوّل أو الثّانى أو الثّالث ، والمرض علّة في الحيوان
__________________
(١) في الالتفات يعنى أكثر استعماله في الاحساس الخاصّ ما ينبغي ان يحسّ لحضوره عند الحسّ أو في تفطّر الخاصّ.