لا تلائم مزاجه الطبيعيّ وأهل الحسّ خصّصوه بما في بدن الحيوان ولا اختصاص له به بل يعمّه وما في نفسه من الاعراض الغير الملائمة لمزاجها الإلهيّ لانّ كلّ ما يخرج نفس الإنسان عمّا هي عليه بحسب التّكوين والتّكليف فهو مرضها وقد مضى انّ للقلب إطلاقات عديدة والمراد بالقلوب (١) هنا امّا القلوب الصّنوبريّة الجسمانيّة فانّها لشدّة غيظهم وحنقهم دمائها في شدّة الغليان أو من شدّة خوفهم دمائها في عدم الغليان وكلاهما غير ملائم لمزاجها أو القلوب المعنويّة وامراضها بجملة الرّذائل الشّيطانيّة.
(فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) دعاء أو اخبار ، وازدياد مرضها بازدياد بعدها عن الخصائل وتمكّنها في الرّذائل (وَلَهُمْ عَذابٌ) دعاء أو اخبار (أَلِيمٌ) صيغة مبالغة من الم إذا وجع ، وتوصيف العذاب بالأليم مجازا للمبالغة في شدّته كأنّ العذاب من شدّته متعذّب بنفسه ، ويجوز ان يراد معنى المولم مثل ارادة المطهّر من الطّهور لانّ المبالغة في مثله تقتضي التّعدّى الى الغير وهذا أبلغ من الاوّل لانّه يفيد تألّم العذاب بحيث يقتضي تألّمه الم الغير بتألّمه (بِما كانُوا) بكونهم أو بشيء أو بالّذى كانوا (يَكْذِبُونَ) قرئ بالتّخفيف وبالتّشديد من كذّبه إذا نسبه الى الكذب أو من كذّب اللازم للمبالغة أو التّكثير والكذب كالصّدق يستعمل كثيرا في الأقوال لكن لا اختصاص له بها بل كلّ فعل أو حال أو خلق أو شأن يصدر من الإنسان يكون مطابقا لما يقتضيه حقيقة الانسانيّة فهو صدق ، وكلّما لم يكن كذلك فهو كذب.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) عطف على (يَكْذِبُونَ) أو على (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أو على (يُخادِعُونَ اللهَ) أو (يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) والإفساد تغيير الشّيء عمّا هو عليه أو منعه عن كمال يقتضيه والمراد بالأرض اعمّ من ارض العالم الكبير أو الصّغير والخروج عن طاعة العقل والامام إفساد في العالم الصغير ويؤدّى الى الإفساد في الكبير والى الإفساد الكبير الّذى هو الاستهزاء بالإمام وقتله ، وما نسب الى سلمان رضى الله عنه : انّ أهل هذه الآية لم يأتوا بعد ؛ يدلّ على انّ الآية نزلت في منافقي الامّة بعد النّبىّ (ص).
(قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) فانّ منكري التّوحيد أو الرّسالة أو الولاية يظنّون الخير والصّلاح في فعلهم لا الشّرّ والفساد فانّ كلّ ذي شعور يقصد بفعله خيره وصلاحه كما نسب الى بعض الصّحابة انّه علّل منع خلافة علىّ (ع) بأنّه قليل السّنّ كثير المزاح.
ولمّا زعموا انّهم مصلحون في فعلهم وسمعوا نسبة الإفساد إليهم نسبوا الإصلاح الى أنفسهم بطريق قصر شؤنهم عليه مؤكّدا باسميّة الجملة وانّ وافادة الحصر (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) قابل إنكارهم المؤكّد بإسناد الإفساد إليهم مؤكّدا بأداة الاستفتاح وانّ وإسميّة الجملة وضمير الفصل وافادة الحصر وأتى في مقابلة حصرهم شؤنهم في الإصلاح بحصر شؤنهم في الإفساد (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) أتى هاهنا بأداة الاستدراك لاقتضاء المقام استدراك توهّم الخلاف والبسط في الكلام كما مضى آنفا (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا) لمّا كان القائل هو الرّسول أو المؤمنين أشار تعالى شأنه الى أنّ النّاصح لهم جمع بين وصفي التّحذير والتّرغيب والإنذار والتبشير وانّهم ردّوا عليه كلا شقّى نصحه والمراد بالايمان الايمان بالرّسول (ص) بالبيعة العامّة مع تواطؤ القلب واللّسان أو الايمان بعلىّ (ع) (كَما آمَنَ النَّاسُ) بالبيعة مع محمّد (ص) أو علىّ (ع) مع تواطؤ
__________________
(١) والمراد بالقلوب يعنى مع انّ المراد بالمرض ، المرض النفسانىّ.