القلب والعزم على الوفاء بما أخذ عليهم من الشّروط والمواثيق ويجوز ان يراد بالايمان في قولهم (آمَنَّا بِاللهِ) الإذعان أو التّصديق وان يراد به هاهنا أيضا ذلك لكنّ الايمان إذا أطلق في الكتاب والسّنّة يراد به البيعة العامّة أو الخاصّة أو ما بعد التّوبة من أجزاء البيعة أو الحالة الحاصلة بالبيعة وامّا محض الإقرار بالتّوحيد والرّسالة فلم يكن يسمّى بالايمان حالة حيوة الرّسول (ص) وما نقل في تفسير الامام يدلّ على أنّ المراد به البيعة مع علىّ (ع).
(قالُوا) مع نظرائهم من المنافقين لا مع المؤمنين والنّاصحين فانّهم لمخادعتهم للمؤمنين وإخفاء حالهم عنهم لا يكاشفون بمثل هذا الجواب معهم (أَنُؤْمِنُ) إنكارا لصدور مثل ايمان المؤمنين الّذين هم سفهاء بظنّهم عن مثلهم (كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) السّفيه غير الرّشيد وهو المحجور عليه الّذى يحتاج الى القيّم ، ويطلق على خفيف العقل الّذى لا يكون أفعاله على ما ينبغي ولا يكون مبذّرا ولا منميّا لما له كما ينبغي ، ويطلق على من لا يعرف الحقّ ولا ينقاد تحت حكم حاكم الهىّ ، وكثيرا ما يستعمل في الآيات والاخبار بهذا المعنى ، ولمّا رأو المؤمنين على حالة لا يرتضيها عقولهم الشّيطانيّة مع انقيادهم ظاهرا وباطنا لمحمّد (ص) أو علىّ (ع) وعدم قدرتهما بزعمهم على محافظة اتّباعهما من أعدائهم سمّوهم سفهاء ، ولمّا كان اتّباع المؤمنين وانقيادهم لخليفة الله هو مقتضى العقل ومقتضى معرفة الحقّ وخروج المنافقين عن الانقياد والخديعة مع العباد خروجا عن مقتضى العقل السّليم وعن مقتضى معرفة الحقّ حصر تعالى شأنه السّفاهة فيهم مؤكّدا بالتّأكيدات العديدة حصر قلب ليفيد نفيها عمّن نسبوها إليهم فقال (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) قد مضى وجه الإتيان بأدوات التّأكيد واداة الاستدراك.
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) كانت الفقرتان الاوليان لبيان حالهم في أنفسهم وأنّهم بإعجابهم بأنفسهم وارتضائهم لأفعالهم لا يسمعون نصح النّاصح وهاتان لبيان حالهم مع المؤمنين والكفّار وبيان خديعتهم للمؤمنين (قالُوا آمَنَّا) بالجملة الفعليّة الخالية عن المؤكّدات لإيهام انّ ايمانهم لا ينبغي ان ينكر أو يشكّ فيه ولعدم مساعدة قلوبهم على المبالغة والتّأكيد (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) جمع الشّيطان والشّيطان معروف ، وتسمية الإنسان شيطانا امّا لصيرورته مظهرا للشيطان ومسخّرا تحت حكمه ، أو للمشاكلة والمشابهة ، أو لكون الإنسان أحد مصاديقه باعتبار معناه اللّغوىّ فانّه مشتقّ من شطن إذا بعد لبعد شياطين الجنّ والانس عن الخير ، أو من الشّطن بمعنى الحبل الطويل المضطرب ، أو من شاط إذا بطل لبطلانهم في ذواتهم فعلى هذا كان نونه زائدة (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) في الدّين والاعتقاد أكدّوا الحكم لتوهّم إنكاره أو الشّكّ فيه من شياطينهم لمخالطتهم مع المؤمنين ولنشاطهم في إظهاره فانّ نشاط المتكلّم في الحكم يدعوه الى المبالغة والتّأكيد ، ولهذا لم يكتفوا بهذا القدر وبسطوا في الكلام وقالوا مؤكدّين بتأكيدات قاصرين شأنهم قصر القلب أو الإفراد (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) الاستهزاء معروف وان كان بحسب حال المستهزء والمستهزء به من حيث الاستهزاء محتاجا الى شرح وتفصيل وكيف كان فالاستهزاء المنسوب الى الله كان مجازا فمعنى قوله تعالى (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) يجازيهم جزاء استهزائهم أو يهينهم أو يفعل بهم ما يشابه الاستهزاء ، أو الإتيان بالاستهزاء من باب صنعة المشاكلة ولم يأت بأداة العطف لعدم المناسبة بينه وبين ما قبله فالجملة امّا مستأنفة جوابا عن سؤال مقدّر أو دعاء