العقلانيّة قويت الوجهة الربّانيّة وضعفت الوجهة الجهلانيّة والانانيّة ، وكلّما ازدادت الجهالات في الإنسان ازداد فيه تصرّف الشيّطان بل لا يكون تلك المدركات الّا بامداد الشّيطان وإفاضته فهي في الحقيقة فضلاته على وجه النّفس ونعم ما قال مولانا بهاء الملة والدّين :
اين خيالات محال واين صور |
|
فضله شيطان بود بر آن حجر |
شرم بادت زانكه داري اى دغل |
|
سنگ استنجاى شيطان در بغل |
فالإنسان ان لم يكن ذا وجه الى الرّبّ كان لا محالة ذا وجه الى الشّيطان وكان صفحة نفسه بتصرّف الشّيطان فيلقى عليها ما يشاء بحسب استعدادها كما قال شيخنا البهائى أيضا رضوان الله عليه:
تو بغير علم عشق ار دل نهى |
|
سنگ استنجا بشيطان مى دهى |
دل كه فارغ شد ز مهر آن نگار |
|
سنگ استنجاى شيطانش شمار |
ففرّوا الى الله واصرفوا وجوهكم من الشّيطان وطهّروا قلوبكم من وساوسه :
فاغسلوا يا قوم عن لوح الفؤاد |
|
كلّ علم ليس ينجى في المعاد |
وانظروا الى مكتسباتكم من الصنائع العلميّة فان كانت تزيد في استكباركم ومماراتكم فاعلموا انّها من فضلات الشّيطان وفي الخبر في الفرق بين طالبي المدركات الجهليّة والمدركات العلميّة : انّ طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم ؛ صنف يطلبه للجهل والمراء ، وصنف يطلبه للاستطالة والختل ، وصنف يطلبه للفقه والعقل. فجعل صاحب وجهة النفس الشيطانية صنفين باعتبار قوّتيه الدّركة والعمّالة ، وجعل غاية طلب العلم باعتبار القوّة الشّيطانيّة الدّراكة الجهل يعنى نفس المدركات الجهليّة ، أو استكمال وجه النّفس الّذى يلي الشّيطان ولوازمها الّتى هي الاستكبار ورؤية النّفس والاعجاب بمدركاتها وتحقير الغير ، وعبّر عن ذلك كلّه بالمماراة ؛ وجعل غاية طلب العلم باعتبار القوّة العمّالة المنشعبة الى السّبعيّة والبهيميّة الاستطالة الّتى هي من لوازم السبعيّة والختل اى التّملّق الّذى هو من لوازم البهيميّة ، وجعل غايته باعتبار الوجه الالهىّ الفقه اى اشتداد الإدراك والانتقال من مدرك الى مدرك آخر ، والعقل اى نفس المدركات أو استكمال وجه النّفس الّذى يلي الرّحمن.
الفصل الرّابع
في تلازم العلم والعمل واقتضاء العلم الحيرة والخشية والعزلة
اعلم انّ العلم كما علم عبارة عن المدركات الحاصلة للإنسان من حيث وجهته الالهيّة وصفحته الاخرويّة وهي تنقسم الى عقائد عقلانيّة وأخلاق نفسانيّة واعمال جسمانيّة الّتى أشير إليها في الحديث النّبوى (ص) بقوله : انّما العلم ثلاثة ؛ آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنّة قائمة ، والعقائد العقليّة إذا حصلت من حيث كونها علوما وحيث كون الإنسان في دار العلم كانت مرائى للمعتقدات بحيث يجد المعتقد ذوق معتقداته في اعتقاداته ويلتذّ بها ويشتدّ في ذلك الوجدان والالتذاذ حتّى يشاهدها ، ولإراءتها المعتقدات بحسب الذّوق والوجدان والشهود والعيان سمّاها الرسول (ص) آية ، ولعدم انفكاك المعتقدات عنها كما ذكر سمّاها محكمة وهذا الوجدان والشّهود هو عمل القلب فلو تخلّى الاعتقادات عن المعتقدات كما ذكر لم تكن علوما حاصلة للإنسان من حيث كونه في دار العلم ولا فائضة من الله بل كانت جهالات ملقاة على النّفس من الشّيطان سواء سميّت خطوات الشيّطان أو فضلاته ، والأخلاق النفسيّة إذا أدركت من حيث كون الإنسان في دار العلم لم يكن إدراكها الّا إدراكها الّا بنحو الجزئيّة وبنحو المعرفة لا بنحو الكليّة ومعرفة الرّذائل بنحو الجزئيّة عبارة عن مشاهدتها في وجوده ، ومن شاهد الرّذائل ومضرّتها في وجوده انزجر منها وكان فكره تطهير نفسه منها وهذا هو عمل هذا العلم ، ومن شاهد الخصائل