عليهم ويحتمل ان تكون حالا عن فاعل قالوا ولم يقل : الله مستهزء بهم ؛ ليكون المقابلة أتمّ لانّ نشاطهم في الاخبار بالاستهزاء كما يقتضي ان يبالغوا في تأكيد الحكم يقتضي ان يخبروا انّ الاستهزاء بالمؤمنين صار سجيّة لهم أو كالسجيّة في الثّبات والاستمرار بخلاف اخبار الله بالاستهزاء بهم فانّه ليس في اخباره نشاط له تعالى وليس استهزاؤه باىّ معنى كان من صفاته الثّابتة له بالذّات فضلا عن ان يكون الّتى هي عين الذّات بل هو من شعب القهر الثّابت له بالعرض ولا يكون الّا في عالم الطبع وما دونه من عالم الأرواح الخبيثة ، والتجدّد ذاتي لعالم الطّبع وكلّما فيه فهو متجدّد بتجدّده وفي اخباره تعالى بتجديد الهوان اخبار بتشديد الهوان (وَيَمُدُّهُمْ) من المدد أو المدّ أي يمدّ قواهم ويقوّيها ويزيد فيها ، أو يمدّ لهم في عمرهم وإمهالهم وهذا بيان للاستهزاء بهم (فِي طُغْيانِهِمْ) ظرف لغو متعلّق بما قبله أو بما بعده أو مستقرّ حالا أو مستأنفا بتقدير مبتدء جوابا لسؤال مقدّر والطّغيان تجاوز الشيء عن حدّه اىّ شيء كان وحدّ الإنسان انقياده تحت حكم العقل الّذى يبيّنه نبىّ وقته فمن تجاوز عن هذا الحدّ كان طاغيا (يَعْمَهُونَ) يتحيّرون ، والعمه هو التحيّر في الآراء فانّ نسبته الى البصيرة كنسبة العمى الى البصر وهو حال أو مستأنف.
بيان اشتراء الضلالة بالهدى
(أُولئِكَ) المحضرون بالأوصاف المذمومة المهانون غاية الهوان (الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) الضّلال والضّلالة مصدر اضلّ الإنسان إذا فقد الطّريق ، وضلّ المال إذا فقد ولم يدر صاحبه اين هو ، والهدى الدّلالة والرّشد والبيان يذكّر ويؤنّث والمراد به هنا الاهتداء الى الطّريق المستقيم الانسانىّ على ان يكون مصدرا مبنيّا للمفعول ، أو هداية الله لهم الى الطّريق المستقيم الانسانىّ على ان يكون مبنيّا للفاعل ، «والشّرا» مقصورا وممدودا من الاضداد يطلق على البيع والشّراء ، والاشتراء خاصّ بالمشتري في العرف العامّ كالبيع للبايع.
واعلم انّ الإنسان ذا شؤن كثيرة بحسب طرقه الى دار الأشقياء وطريقه الى دار السّعداء وشؤنه الّتى له بحسب كونه على طريق السعداء ذاتيّة له فكأنّ الله ملّكه ايّاها والشّؤن الّتى له بحسب كونه على طريق الأشقياء عرضيّة له كأنّها مملوكة لغيره وانّ الأوصاف الّتى هي في هذا العالم أعراض قائمة بغيرها لها حقائق قائمة بذواتها في عالم آخر فانّ الضلالة الّتى هي وصف اعتبارىّ اضافىّ لها حقيقة متجوهرة في عالم النّفس وهي من شؤنها ومراتبها وكذلك الهداية [إذا تمهّد هذا فنقول :] لمّا كان الاشتراء أخذ مال الغير بثمن مملوك للمشتري فان لم يعتبر فيه قيد آخر كما هو الحقّ فالشّراء على حقيقته وان اعتبر كون المبيع والثّمن من الاعراض الدّنيويّة وكون الاشتراء بصيغة مخصوصة كان الاشتراء استعارة وكان قوله (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) ترشيحا للاستعارة ونسبة الرّبح الى التّجارة مجاز عقلىّ والرّبح هو الفضل على رأس المال في المعاملة كما انّ الخسران هو نقصان رأس المال ، ونفى الرّبح اعمّ من بقاء رأس المال ونقصانه واتلافه رأسا كما انّ الخسران أعمّ من نقصان رأس المال واتلافه (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) من قبيل عطف الأقوى على الأضعف والمعنى بل ما كانوا مهتدين اى أتلفوا بضاعتهم رأسا فانّه تعالى جعل الهدى بضاعتهم ولذا جعله في الاشتراء ثمنا أو من قبيل عطف العلّة على المعلول اى ما ربحوا لانّهم لم يهتدوا الى طرق التّجارة والمرابحة أو المعنى اشتروا الضّلالة بالهدى لانّهم ما كانوا مالكين للهدى فانّ الهدى كان عارية لهم سواء أريد بالهدى الاستضاءة بنور الإسلام