حين نسبتها الى الخلق وطرفا تفريطه وافراطه الخجل عن ظهور الفعل وعدم الاقتدار على الفعل حين اطّلاع الخلق عليه مطلقا حسنا كان الفعل أو قبيحا وعدم المبالاة بظهور الفعل حسنا كان أو قبيحا (أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما) ان يقرع الأسماع بمثل والمثل امر ظاهر يشبهه امر خفىّ يذكر لبيان حال ذلك الأمر الخفىّ ، وضربه عبارة عن اجرائه وذكره ، ولفظة ما وصفيّة ابهاميّة (بَعُوضَةً) وقرئ بعوضة بالرّفع وعليها فلفظة ما يحتمل كونها موصولة وموصوفة بحذف صدر الصّلة وصدر الصّفة واستفهاميّة (فَما فَوْقَها) في الحقارة أو في الجثّة والكبارة وهذا ردّ لانكارهم عليه تعالى التّمثيل بالذّباب والعنكبوت وغير ذلك لانّ الجّهال يستنكفون من التّوجّه الى أمثال تلك الحقار والله لا يستنكف من التّمثيل بها فانّ الحقير من هذه حقير في أنظار الجهّال لا في أنظار العقلاء فانّ ذوات النّفوس الحيوانيّة وان كانت أصغر ما يكون خصوصا ما تمّ له المدارك الحيوانيّة ، فيها من دقائق الحكم ولطائف الصّنع مالا يحصيها الّا الله فانّ البعوضة من أدرك من دقائق الحكم ولطائف الصنع الّتى أودعها الله فيها عشرا من أعشارها لا يستنكف من التّمثيل بها ولا يستغرب تمثيل الفيل بها ، وعن الصّادق (ع) انّما ضرب الله المثل بالبعوضة لانّها على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق الله في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين فأراد الله ان ينبّه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعه ، وأشار (ع) بقوله : وزيادة عضوين آخرين ؛ الى جناحيها ورجليها الزّائدتين على الفيل فانّ للفيل اربع أرجل ولها ستّ أرجل ، ولمّا جعلوا إنكارهم التّمثيل بالأمثال المذكورة في الكتاب مشعرا بإنكار كونها من الله ودليلا عليه قال تعالى :
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالايمان العامّ أو الخاصّ وأقرّوا برسالة الرّسول ونزول الوحي وتنزيل الكتاب (فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ) اى المثل المضروب (الْحَقُ) يعنى يعلمون انّ المثل حقّ لا باطل يعنى منزّل من الله لا مختلق من النّفس ولذا أتى بقوله (مِنْ رَبِّهِمْ) للبيان خبرا بعد خبر أو حالا أو ظرفا لغوا متعلّقا بالحقّ (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ) الاستفهام ونسبة الارادة الى الله تعالى للاستهزاء والتّهكّم وكان المناسب للقرين السّابق ان يقول وامّا الّذين كفروا فلا يعلمون انّه الحقّ لكنّه عدل الى هذا لافادة هذا المعنى مع شيء زائد وهو التّهكّم والاستهزاء (بِهذا مَثَلاً) تميز من هذا أو حال منه أو حال من محذوف اى نذكر هذا حالكونه مثلا والّا فالمقصود ما ذا أراد بجملة الأمثال وجملة القرآن (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) جمعا كثيرا أو اضلالا كثيرا جواب من الله لاستفهامهم تعليما لنبيّه (ص) ان يجيبهم بمثله أو مقول قولهم حالا أو مستأنفا وحينئذ فقوله تعالى (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) امّا من قولهم أو من قول الله كأنّهم قالوا : ما ذا أراد الله بهذا حالكونه يضلّ به كثيرا من النّاس وان كان يهدى به كثيرا ، أو قال الله عطفا على قولهم للرّدّ عليهم ويهدى به كثيرا (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) يعنى فيه هداية اناسىّ كثيرين وليس إضلاله الّا لمن لا رجاء خير فيه فخيره كثير وضرّه لا يعبأ به.
(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) تابع للفاسقين صفة أو بدل أو عطف بيان أو مبتدء خبره (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) ، ونقض الحبل فسخ فتل طاقاته ، واستعماله في العهد لتشبيه العهد بالحبل وكلّما ذكر عقد أو عهد في الكتاب مطلقا كان أو مقيّدا عامّا أو خاصّا فالمراد به اوّلا وبالذّات هو الّذى يكون في البيعة العامّة أو الخاصّة