وبهجاتها ولذّاتها طلب الاتّصاف بها وهذا عمل هذا العلم ، وباعتبار هذا الشّهود والاتّصاف سمّاها الرسول (ص) فريضة وعادلة فانّ الفرض عينا هو هذا الاتّصاف والعادلة بين طرفي الإفراط والتّفريط هي أعيان هذه الصّفات ، وامّا العلم بالرذائل والخصائل بنحو الكليّة منفكا عن شهودها بنحو الجزئيّة فانّه من الجهالات ولم يكن فرضا ولا عادلا وكان منفكا عن العمل وكان من فضلات الشّيطان ، والأعمال القالبيّة إذا أخذت من صادق ؛ وعلم الآخذ صدق من أخذها منه وصدق وعد الأجر على فعلها ووعيد العقوبة على تركها ولم يستر هذا العلم أو لم يغلب مقتضى النّفس على مقتضاه لا يمكنه ترك العمل بها وباعتبار هذا العمل سمّاه سنّة فان السيّرة والسنّة هي الأعمال الّتى اتّفق جماعة عليها أو صارت شيمة للشخص ، وباعتبار أخذها من أهلها واتّصالها بالأعمال القلبيّة وبصاحب الأعمال القلبيّة سمّاها قائمة ، وإذا لم يؤخذ هذا العلم من اهله أو لم يكن اخذه من حيث كون الأخذ في دار العلم أو غلب على مقتضاه مقتضى النّفس لم يكن علما وصار منفكّا عن العمل أو عن كون العمل قائما متّصلا بالقلب وكان ذلك العلم جهلا وكان من فضلات الشّيطان ؛ ولذلك ورد عنهم (ع) في اخبار كثيرة التّصريح والاشارة الى تلازم العلم والعمل ؛ فعن ابى عبد الله (ع) في بيان قوله تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) : يعنى بالعلماء من صدّق قوله فعله ومن لم يصدّق قوله فعله فليس بعالم ، وعنه (ع) انّ العلم مقرون الى العمل فمن علم عمل ومن عمل علم والعلم يهتف بالعمل فان أجابه وإلا ارتحل عنه. وعنه (ع) لا يقبل الله عملا الّا بمعرفة ولا معرفة الّا بعمل فمن عرف دلّته المعرفة على العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له ؛ الا انّ الايمان بعضه من بعض. ومن هذا يعلم انّ العلم كما لا ينفكّ عن العمل لا ينفكّ عن الاشتداد والازدياد في جانب الآخرة لانّ من عرف وأدرك من الصّفات الالهيّة ما يبتهج ويلتذّ بإدراكه اشتاق الى ازدياد الإدراك والابتهاج ومن اشتاق الى شيء طلبه ، ومن طلب شيئا وجده ، ومن عرف شيئا من الرذائل أو الخصائل اشتدّ فراره عن الرّذائل وطلبه للخصائل ، وكلّما ازداد فراره من الرّذائل واتّصافه بالخصائل ازداد استبصاره بآفاتها ولذّاتها ، ومن عرف الأمر الإلهي وانّ امتثال امره ونهيه يزيد في علومه العقليّة والنفسيّة امتثل ، ومن امتثل ازداد علومه المذكورة وسيجيء بسط وتحقيق لهذا المطلب في سورة البقرة عند قوله تعالى (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ.) وصاحب هذا العلم هو الّذى يكون ذا كأبة وحزن من عدم مراعاته لعلمه وعدم وصوله الى معلومه كما يريد فانّ هذا العالم يحزنه ترك الرّعاية كما انّ صاحب الجهل يعجبه حفظ الرّواية ، ويكون ذا سهر اشتياقا الى مطلوبه يعمل ويخشى وجلا داعيا مشفقا مقبلا على شانه عارفا بأهل زمانه مستوحشا من أوثق إخوانه ، ومتحيرا في امره لتجاذب علمه وجهله ، وهو الشكور الرّؤوف الرّحيم الرّفيق الحليم الصّبور الخاشع الخاضع المتواضع المستسلم القنوع الغنىّ الودود البارّ الوصول الحىّ النّظيف الظّريف الطّريف فاحذر يا أخي من العالم العامل بغيره والزم العالم العامل بعلمه وكن متواضعا له.
خاك شو مردان حق را زير پا |
|
خاك بر فرق حسد كن همچو ما |
الفصل الخامس
في فضل قراءة القرآن وفضل التّوسّل به باىّ نحو كان
اعلم انّ القرآن كما سلف الاشارة اليه قرين العترة وهما الحبلان الممدودان من الله الى الخلق ، وانّ التّوسّل بالعترة بأىّ نحو كان من الخدمة وقضاء الحاجة والتّوقير والمحبّة لهم والنّظر إليهم والجلوس عندهم والانس بهم والتأمّل في شؤنهم والتدبّر في أفعالهم والاستماع الى أقوالهم وسماع اسمائهم ومناقبهم وأحوالهم وتذكّر شمائلهم واوصافهم من غير عناد معهم عبادة بل كانت من أعظم العبادات ومن أسباب دخول الجنّات