والاستواء هاهنا القصد اى قصد خلق السّماء (فَسَوَّاهُنَ) اى خلقهنّ تامّة مصونة عن العوج والفطور وجمع الضمير لكون السّماء جنسا في معنى الجمع أو لرعاية الخبر (١) (سَبْعَ سَماواتٍ) تحقيق عدد السّماوات والأرضين ومراتب العالم سيجيء من بعد ان شاء الله (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) عطف على قوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَ) ، أو حال عن فاعل خلق ، أو عطف على كنتم أمواتا ، أو حال عن فاعل احدى الجمل السّابقة على قوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَ) ، وعلى اىّ تقدير فالمقصود التّهديد عن الكفر وتعليل إنكاره بأنّه عالم بكفر كم فيؤاخذكم عليه ، وعلمه بالأشياء عين وجود الأشياء فهو علم حضوريّ كعلمنا بالصّور الحاضرة في نفوسنا فانّ وجودها علم لنا ومعلوم ، وهذا علمه الّذى هو مع الأشياء وامّا علمه بالأشياء الّذى هو قبلها فله مراتب ، مرتبة منها عين ذاته ، ومرتبة عين فعله ، ومرتبة عين القلم ، ومرتبة عين اللّوح المحفوظ ، ومرتبة عين لوح المحو والإثبات ، وتحقيق علمه في الحكمة النّظريّة وليس هاهنا محلّ تحقيقه وتفصيله.
تحقيق مادّة الملك وأقسام الملائكة
واذكر (إِذْ قالَ رَبُّكَ) حتّى تعلم انّ الكلّ خلق للإنسان أو ذكرّهم بذلك حتّى يعلموا فانّ في قصّة خلقة آدم وسجود الملائكة له دليلا على أنّ خلقة الكلّ لأجله (لِلْمَلائِكَةِ) جمع الملك باعتبار أصله فانّ أصله مألك من الالوكة بمعنى الرّسالة فقلب فصار معفل بتقديم العين ثمّ حذف الهمزة فصار معل ، وقيل : أصله مفعل من لاك يلوك بمعنى أرسل فقلب الواو ألفا بعد نقل حركته ثمّ حذف وقيل أصله فعال من ملك يملك فحذف الالف ، والملك على أنواع منها ملائكة ارضيّون متعلّقون بالمادّيات سواء كانوا متعلّقين بالاجرام السّماويّة أو بالاجرام الارضيّة ؛ ولهم ترقّيات وتنزّلات والملائكة السّجّد والرّكّع منهم ، وما ورد من سقوط ملك عن مقامه وتنزّله عن مرتبته وشفاعة شفيع له هو في هذا النّوع لا في سائر الأنواع فانّ الملائكة الغير المتعلّقة بالمادّيات كلّ واحد منهم له مقام معلوم.
[وليعلم انّ العوالم بوجه ثلاثة ؛ اوّلها] عالم الجنّة والشّياطين وفيه الجحيم ونيرانها وهو محلّ الأشقياء والمعذّبين من بنى آدم وهو تحت عالم المادّيات وان كان ذلك العالم مجرّدا عن المادّة ، [وثانيها] عالم المادّيات من السّماوات والسّماويّات والأرض والارضيّات وهذا العالم أضعف العوالم ، [وثالثها] عالم المجرّدات العلويّة وهو عالم الملائكة بمراتبها من السّجّد والرّكّع وذوي الاجنحة مثنى وثلاث ورباع ، والمدبّرات أمرا ، والصّافات صفّا ، والقيام المهيمنين الّذين لا ينظرون ، ولأهل عالم الجنّة من أنواع الجنّة والشّياطين قدرة باقدار الله على أنواع الخوارق والتصرّف في عالم المادّيات مثل أهل عالم الملائكة من دون فرق ، والجنّة والشّياطين على نوعين ، نوع منهم في غاية البعد والخباثة غير قابلين للهداية ، ونوع منهم لهم قرب من عالم المادّيات ، وبسبب هذا القرب كانوا مستعدّين للهداية والايمان ولهم ترقّيات وتنزّلات ، وكذلك الملائكة على نوعين ؛ نوع منهم في غاية البعد عن المادّيات وهم المجرّدات عن المادّيات وعن التعلّق بها والتّدبير لها وهم العقول والأرواح ، ونوع منهم لهم التعلّق والتّدبير للمادّيات وهم الملائكة الموكّلة على الارضيّات من الاجرام العلويّة والسّفليّة والمأمور بسجدة آدم من حيث فعليّة آدميّته هو هذا النّوع كما في الاخبار أنّ المأمورين بسجدة آدم هم ملائكة الأرض واعتراض الملائكة المستفاد من الآية والأخبار أيضا من هذا النّوع ولمجانسة هذا القسم للجنّة كان إبليس مشابها لهم ومشتبها عليهم وعابدا فيهم بل نقل انّه كان إماما ومعلّما
__________________
(١) قوله لرعاية الخبر ، وذلك لانّ سبع سموات خبر في الأصل على ان يكون سوّيهنّ متعديّا الى مفعولين هما في الأصل متبدء وخبر على ان يكون مضعّف فعل ناقص مثل صير وماذا كان مضعّف فعل تامّ فيكون سبع سموات حالا لا خبرا.