تحقيق معنى التّسبيح والتّقديس والفرق بينهما
(وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فنحن أحقّ بالخلافة لعدم الأوصاف المتضادّة فينا. والتّسبيح والتّقديس في العرف بمعنى واحد وهو التّطهير والتّنزيه لكنّهما إذا أضيفا الى الله تعالى يراد بالتّسبيح التّطهير من القبائح والنقائص لا بشرط عدم الأوصاف والإضافات بل مع بقاء الأوصاف والإضافات والكثرات وبالتّقديس التّطهير من النّسب والإضافات ورفع الكثرات ، أو يراد معنى بالتّقديس أعمّ من التّنزيه من القبائح والنّسب وثبوت الكثرات وبعبارة أخرى ملاحظة حقّ الاوّل باسمه الواحد يعنى بجملة صفاته الثّبوتيّة والسّلبيّة وجملة إضافاته تسبيحه وملاحظته باسمه الأحد من غير ملاحظة اسم وصفة وكثرة وتعيّن واعتبار بل مع ملاحظة عدمها تقديسه ، وقد يستعمل كلّ في معنى الآخر فهما كالفقراء والمساكين إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ومعنى سبحان الله تنزّه الله من النّقائص تنزّها ، ومعنى قدّس الله تنزّه الله من الإضافات والاعتبارات تنزّها ، وقول الصّادق (ع) وهل هناك شيء ، في جواب من قال : الله أكبر من اىّ شيء ، اشارة الى مقام قدسه لا الى مقام تسبيحه فالفرق بين تسبيحه تعالى وتقديسه كالفرق بين المأخوذ لا بشرط والمأخوذ بشرط لا بالنّسبة الى الأوصاف والكثرات ، أو كالفرق بين المأخوذ بشرط شيء والمأخوذ بشرط لا ولهذا قلّما ذكر تسبيح بدون ذكر الحمد الدّالّ على اتّصافه بالأوصاف الحميدة ، ولابتلاء عامّة الخلق بالكثرات لم يذكر التّقديس الدّالّ على نفى الكثرات الّا قليلا وتقدير قوله تعالى (نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) نسبّحك ونطهّرك عن النّقائص أو نسبّح اسمك أو نسبّح نفوسنا بسبب حمدك أو متلبّسين بحمدك ، ونقدّس لك ، نقدّسك بزيادة اللّام أو نقدّس نفوسنا لك أو نقدّس اسمك لك (قالَ) الله في جواب استغرابهم (إِنِّي أَعْلَمُ) من آدم ومن المكمون فيه من الانسانيّة السّيّارة المسخّرة لجميع الاضداد المناسبة بسعتها وجامعيّتها لجملة ما في العوالم وجملة الشؤن ومن الكفر المكمون الملتبس عليكم في بعض وهو إبليس وانّه لا يظهر ذلك الّا بخلقة آدم (ما لا تَعْلَمُونَ) ولذا تستغربون وتستنكرون استخلافه بملاحظة ما تدركون منه من شؤنه الظّاهرة المتضادّة المقتضيّة للافساد. روى عن الباقر (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) انّ الله لمّا أراد ان يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى على الجنّ والنّسناس في الأرض سبعة آلاف سنة فرفع سبحانه حجاب السّماوات وأمر الملائكة ان انظروا الى أهل الأرض من الجنّ والنّسناس فلمّا رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدّماء والفساد في الأرض بغير الحقّ عظم ذلك عليهم وغضبوا الله تعالى وتأسّفوا على الأرض ولم يملكوا غضبهم وقالوا : ربّنا أنت العزيز القادر العظيم الشأن وهذا خلقك الذّليل الحقير المتقلّب في نعمتك المتمتّع بعافيتك المرتهن في قبضتك وهم يعصونك بمثل هذه الذّنوب ويفسدون في الأرض ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك وأنت تسمع وترى وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه لك ، فقال تعالى : انّى جاعل في الأرض خليفة تكون حجّة لي في أرضى على خلقي ، قالت الملائكة : أتجعل فيها من يفسد فيها كما أفسد هؤلاء ، ويسفك الدّماء كما فعل هؤلاء ، ويتحاسدون ويتباغضون فاجعل ذلك الخليفة منّا فانّا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدّماء ، ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك ، قال تبارك وتعالى : انّى أعلم ما لا تعلمون ، انّى أريد ان أخلق خلقا بيدي وأجعل في ذرّيّته الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصّالحين وائمّة مهديّين وأجعلهم خلفائي على خلقي في أرضهم يهدونهم الى طاعتي وينهونهم عن معصيتي وأجعلهم حجّة لي عليهم عذرا ونذرا ، وأبين النّسناس عن ارضى وأطهّرها منهم وأنقل الجنّ المردة العصاة عن بريّتى وخيرتي من خلقي وأسكنهم في الهواء وفي قفار الأرض فلا يجاورون خلقي ، وأجعل بين الجنّ وبين نسل خلقي حجابا