ومن عصاني من نسل خلقي الّذين اصطفيتهم أسكنتهم مسكن العصاة وأوردتهم مواردهم ، فقالت الملائكة ، سبحانك لا علم لنا الّا ما علّمتنا قال فباعدهم الله عزوجل من العرش مسيرة خمسمائة عام فلا ذوا بالعرش وأشاروا بالأصابع فنظر الرّبّ جلّ جلاله إليهم ونزل الرّحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال : طوفوا به ودعوا العرش فانّه لي رضا فطافوا به وهو البيت الّذى يدخله كلّ يوم سبعون الف ملك لا يعودون اليه أبدا ، ووضع الله البيت المعمور توبة لأهل السّماء ، والكعبة توبة لأهل الأرض ، فقال الله تعالى : انّى خالق بشرا من صلصال قال وكان ذلك من الله تعالى تقدمة في آدم (ع) قبل ان يخلقه واحتجاجا منه عليهم قال فاغترف جلّ جلاله من الماء العذب الفرات غرفة بيمينه وكلتا يديه يمين فصلصلها فجمدت وقال الله جلّ جلاله : منك أخلق النبيّين والمرسلين وعبادي الصّالحين والائمّة المهديّين الدّعاة الى الجنّة واتباعهم الى يوم القيامة ولا أسأل عمّا أفعل وهم يسألون ، ثمّ اغترف من الماء المالح الأجاج غرفة فصلصلها فجمدت فقال تعالى : ومنك أخلق الفراعنة والجبابرة واخوان الشّياطين والعتاة والدّعاة الى النّار وأشياعهم الى يوم القيامة ولا أسأل عمّا أفعل وهم يسألون قال وشرط في ذلك البداء فيهم ولم يشرط في أصحاب اليمين ثمّ خلط المائين جميعا في كفّه فصلصلهما ثمّ كفأهما قدّام عرشه وهما سلالة من طين ، ثمّ أمر ملائكة الجهات الشّمال والجنوب والصّبا والدّبور أن يجولوا على هذه السّلالة من طين فابرؤها وانشأوها ثمّ جزّؤها وفصلّوها وأجروا فيها الطّبائع الأربع المرّتين والدّم والبلغم فجالت الملائكة عليها وأجروا فيها الطّبائع الأربع فالدّم من ناحية الصّباء ، والبلغم من ناحية الشّمال ، والمرّة الصّفراء من ناحية الجنوب ، والمرّة السّوداء من ناحية الدبور ، واستقلّت النّسمة وكمل البدن وقد أسقطنا آخر الحديث ؛ وبهذا المضمون أخبار كثيرة. ولمّا كان قصّة آدم (ع) وخلقته وأمر الملائكة بسجدته وإباء إبليس عن السّجود وهبوطه عن الجنّة وبكاؤه في فراق الجنّة وفراق حوّاء وخلقة حواّء من ضلع الجنب الأيسر منه وغروره بقول الشّيطان وحوّاء وكثرة نسله وحمل حوّاء في كلّ بطن ذكرا وأنثى وتزويج أنثى كلّ بطن لذكر البطن الآخر من مرموزات الأوائل ؛ وقد كثر ذكره في كتب السّلف خصوصا كتب اليهود وتواريخهم وورد أخبارنا مختلفة في هذا الباب اختلافا كثيرا مرموزا بها الى ما رمزوه ومن أراد أن يحملها على ظاهرها تحيّر فيها ، ومن رام ان يدرك المقصود بقوّته البشريّة والمدارك الشّيطانيّة منها طرد عنها ولم يدرك منها الّا خلاف مدلولها.
تحقيق معنى الاسم وبيان تعليم آدم الأسماء كلّها وبيان اللّطائف المندرجة في الاية الشّريفة
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) اعلم انّ اسم الشيء ما دلّ عليه مطلقا أو باعتبار بعض صفاته سواء كانت الدّلالة وضعيّة أو غير وضعيّة ، وسواء كان الدّالّ لفظا أو نقشا أو مفهوما ذهنيّا أو موجودا عينيّا ، ولمّا كانت الدّلالة مأخوذة في الاسميّة فكلّما كانت الدّلالة أقوى كانت الاسميّة اشدّ فالدّلالة الوضعيّة الّتى هي في الألفاظ والنّقوش لمّا كانت محتاجة الى أمر آخر هو وضع واضع كانت أضعف ، فالاسميّة في الدّلالة الوضعيّة أضعف الاسميّات ، والمفهوم الذّهنىّ لضعفه في نفسه واختفائه عن المدارك بحيث أنكره بعض وقالوا : انّ العلم الحصولىّ ليس بحصول صورة من المعلوم في ذهن العالم بل هو بالاضافة بين العالم والمعلوم ، وقال بعض المحقّقين انّه بشهود العالم صورة المعلوم في عالم المثال عن بعد أو بشهوده ربّ نوع المعلوم عن بعد أضعف الأسماء أيضا ، فبقي ان يكون الموجود العينىّ المدرك لكلّ أحد الدّالّ على غيره بالطبّع كاملا في الاسميّة ؛ ونحن الأسماء الحسنى ، ولا اسم أعظم منّى ، وبأسمائك الّتى ملأت أركان كلّ شيء ، وغير ذلك من كلماتهم تدلّ على اعتبار الاسميّة للاعيان الموجودة وأهل العرف لمّا كان نظر هم الى المحسوسات