ملكوتهما أو الغائب عنهما ومن جملته جامعيّة الإنسان لما له علامة الإمكان (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) من إظهار استعجاب خلافة آدم واستحقاقكم الخلافة دونه وسائر صفاتكم الظّاهرة عليكم وعلى غيركم ومقدار علومكم الظّاهرة (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) من النّقائص الّتى لا شعور لكم بها ولا يظهر عليكم الّا بعد اختياركم باستعلامكم كما فعلنا وليس المراد ما تكتمون بالشّعور والارادة فانّه يستلزم نسبة النّفاق واعتقاد جواز الجهل على الله الى الملائكة وللاشارة الى ما فسّرنا زاد كنتم لانّه يدلّ على انّ الكتمان كان ثابتا دائما لهم ، ويجوز ان يراد بما يكتمون ما كتمه الشّيطان من الاباء عن السّجدة لآدم (ع) لو أمر به أو من المخالفة والعناد لآدم (ع) المكمون فيه ، ونسبته الى الملائكة لكونه فيهم ومشتبها بهم ، ويجوز ان يراد اعمّ منه وممّا ذكر اوّلا ، وهذا القول منه تعالى امّا تفصيل لما أجمل عند قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) ، أو كان هذا القول مذكورا مع قوله (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) لكنّه تعالى اسقطه حين الحكاية ، ويحتمل ان يكون قوله (أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) حالا بتقدير انّا أو عطفا على الم أقل محكيّا بالقول الاوّل ، ويجوز ان يكون قوله (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ) مستأنفا غير محكىّ بالقول (وَإِذْ قُلْنا) عطف على قوله (إِذْ قالَ رَبُّكَ) اى اذكر أو ذكر حتّى تعلموا انّ جميع ما في الأرض خلق لكم إذ قلنا (لِلْمَلائِكَةِ) اى لملائكة الأرض على ما ورد في أخبارنا فانّ مرتبة آدميّة آدم (ع) مسجودة لملائكة الأرض أو للملائكة جميعا على ما سبق انّ آدم (ع) بعلويّته مسجود لجميع الملائكة وقد ورد في أخبارنا انّ الله أمر الملائكة بسجدة آدم (ع) لكون نور محمّد (ص) وعلىّ (ع) وعترتهما (ع) في صلبه (اسْجُدُوا لِآدَمَ) السّجدة غاية الخضوع والتّذلّل والانقياد للمسجود ، ولمّا كان غاية التّذلّل السّقوط على التّراب عند المسجود صارت السّجدة اسما لسجدة الصّلوة في الشّريعة والمراد بالسّجدة هاهنا التّذلّل تحت أمر آدم (ع) والتّسخّر له بحيث يكون بالنّسبة الى كلّ منهم إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون ، وتسخّر الملائكة وسجدتهم لآدم (ع) دون إبليس نظير تسخّر القوى لآدم في العالم الصّغير دون الوهم الّذى هو الشّيطان في هذا العالم (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) افعيل من أبلس إذا يئس من رحمة الله أو من أبلس إذا تحيّر واضطرب ، أو من أبلس إذا ندم لانّ فعله فعل ينبغي ان يندم عليه ، أو من أبلس إذا سكت وانقطع حجّته ، وكأنّه لم يستعمل مجرّدة وقيل : انّه اسم أعجمىّ ولذا لم ينصرف (أَبى وَاسْتَكْبَرَ) من قبيل عطف السّبب على المسبّب (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) يعنى انّ فطرته كانت فطرة الكفر والاباء وترك الطّاعة لا انّ الكفر طرأ عليه بعد ان كان مؤمنا ؛ إذ قوّة الاباء عن الانقياد كانت ذاتيّة له بحيث لو طرأ الانقياد كما روى شيطاني أسلم على يدي كان الانقياد كأنّه عرضىّ عرضي له.
تحقيق مراتب العالم وكيفيّة خلق الاجنّة والشّياطين
اعلم انّ الوجود كما مرّ له مراتب ؛ مرتبة منه غيب مطلق لا خبر عنه ولا اسم ولا رسم وهو الوجوب الذّاتىّ الّذى يخبر عنه بعنوان مقام ظهوره بالوجوب الذّاتىّ ، ومرتبة منه فعل الواجب وظهوره ومعروفيّته وفي تلك المرتبة يظهر تمام صفاته وأسمائه ؛ وتلك المرتبة باعتبار كونها عنوانا له تعالى بأسمائه تسمّى بالوحدانيّة ، وباعتبار كونها اقتضاء لإيجاد العالم تسمّى بالمشيّة ، وباعتبار كونها نفس إيجاد العالم تسمّى بفعله تعالى ، وباعتبار كونها جامعة لتمام الأسماء والصّفات بوجود واحد جمعىّ تسمّى بالله ، وباعتبار كونها مجمعا لتمام الموجودات بنحو الاحاطة