كذلك النّظر الى سطور القرآن والاستماع الى حروفه وقراءة كلماته وكتابه سوره وآياته وتعظيمه وتوقير قاريه وتصوّر مفاهيمه وتدبّر معانيه والنّظر في إشاراته والالتذاذ بلطائفه وامتثال أوامره ونواهيه والاعتبار بحكاياته وأمثاله والّا تعاظ بمواعظه ونصائحه عبادة بل كانت من أعظم العبادات وكفى في فضل التوسّل به قوله تعالى (إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وعن علىّ بن الحسين (ع) وجعفر بن محمّد (ع) انّهما قالا من استمع حرفا من كتاب الله تعالى من غير قراءة كتب الله تعالى له به حسنة ومحا عنه سيّئة ورفع له درجة ، ومن قرء نظرا من غير صوت كتب الله له بكلّ حرف حسنة ومحا عنه سيّئة ورفع له درجة ، ومن تعلّم منه حرفا ظاهرا كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيّئات ورفع له عشر درجات ؛ قال لا أقوال بكلّ آية ولكن بكلّ حرف ؛ باء أو ياء أو شبههما قال ومن قرأ حرفا وهو جالس في صلوته كتب الله له خمسين حسنة ومحا عنه خمسين سيّئة ورفع له خمسين درجة ، ومن قرأ حرفا وهو قائم في صلوته كتب الله له مائة حسنة ومحا عنه مائة سيّئة ورفع له مائة درجة ، ومن ختمه كانت له دعوة مستجابة مؤخرّة أو معجّلة. قال الرّاوى قلت جعلت فداك ختمه كلّه قال ختمه كلّه. واسحق بن عمّار عن ابى عبد الله (ع) قال قلت له جعلت فداك انّى احفظ القرآن عن ظهر قلبي فأقرأه عن ظهر قلبي أفضل أو انظر في المصحف فقال لي بل اقرأه وانظر في المصحف فهو أفضل اما علمت انّ النّظر في المصحف عبادة. ونسب الى النّبىّ (ص) انّه قال أفضل العبادات قراءة القرآن وعنه (ص) القرآن مأدبة الله تعالى فتعلّموا من مأدبته ما استطعتم ، انّ هذا القرآن حبل الله وهو النّور المبين والشّفاء النافع عصمة لمن تمسّك به ونجاة لمن تبعه لا يعوجّ فيتقوّم ولا يزيغ فيستعتب ، ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرّدّ فاتلوه فانّ الله يأجر كم على تلاوته بكلّ حرف عشر حسنات ، اما انّى لا أقول الم عشر ولكن أقول الف عشر ولام عشر وميم عشر. وعن ابى عبد الله (ع) انّ القرآن عهد الله الى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم ان ينظر في عهده وان يقرأ في كلّ يوم خمسين آية. وعن النّبى (ص) انّه قال نوّروا بيوتكم بتلاوة القرآن ولا تتّخذوها قبورا كما فعلت اليهود والنّصارى صلّوا في الكنائس والبيع وعطّلوا بيوتهم فانّ البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره واتّسع اهله وأضاء لأهل السّماء كما تضيء نجوم السّماء لأهل الدّنيا. وعن السّجاد (ع) انّه قال ، قال رسول الله (ص) من أعطاه الله القرآن فرأى انّ أحدا اعطى أفضل ممّا أعطى فقد صغّر عظيما وعظّم صغيرا.
الفصل السّادس
في آداب القراءة وكيفيّتها ومراتب القرّاء
اعلم انّ الكلام نحو ظهور للمتكلّم بشأنه الّذى هو فيه حين التكلّم ألا ترى انّ الإنسان حين الغضب لو اجهد نفسه في إخفاء غضبه يظهر لا محالة غضبه في كلامه ، وانّ كلام كلّ متكلّم مناسب لمقامه لا لمقام السّامع ولذلك لا يمكن للبشر من حيث بشريّته استماع كلام الملك أو الجنّ ولو سمع هلك أو جنّ أو غشي عليه أو تضرّر بوجه آخر ، وانّ كلام الله تعالى لو ظهر في مقام إطلاقه لما قام له شيء من خلقه ولفنى الكلّ في كلامه لكنّه تعالى لغاية رحمته وكمال رأفته لخلقه نزّل أسمائه وصفاته وكلامه من مقام الإطلاق وألبسها ألبسة التعيّنات فصارت في مقام الأرواح العالية موافقة لها ، وفي مقام الأرواح المضافة مرافقة لها ، وفي مقام الأشباح العالية النّورية والسّافلة الظلمانيّة مطابقة لها ، وفي مقام الإنسان ظاهرة بلباس الأصوات والعبارة والحروف والكتابة لتناسب اصماخهم وأبصارهم كما أشار اليه المولوى بقوله :