أو اكلا واسعا (حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) أطلق لهما الاكل من اىّ مأكول شاء أو في اىّ مكان وزمان أرادا ونهيهما عن الاكل من شجرة مخصوصة ، وتعليق النّهى على القرب من الشّجرة للمبالغة في النّهى عن الاكل ، أو للنّهى عن القرب حقيقة فانّ القرب من الشيء يورث توقان النّفس اليه.
اعلم أنّ قصّة خلق آدم (ع) وحوّاء (ع) من الطّين ومن ضلعه الأيسر ومن امر الملائكة بسجود آدم (ع) وإباء إبليس عن السّجدة وإسكان آدم (ع) وحوّاء (ع) الجنّة ونهيهما عن أكل شجرة من أشجارها ووسوسة إبليس لهما وأكلهما من الشّجرة المنهيّة وهبوطهما من المرموزات المذكورة في كتب الأمم السّالفة وتواريخهم كما ذكرنا سابقا. فالمراد بآدم في العالم الصّغير الّلطيفة العاقلة الآدميّة الخليفة على الملائكة الارضيّين وعلى الجنّة والشّياطين المطرودين عن وجه ارض النّفس والطّبع المسجودة للملائكة المخلوقة من الطّين السّاكنة في جنّة النّفس الانسانيّة وهي أعلى عن مقام النّفس الحيوانيّة المخلوق من ضلع جنبها الأيسر الّذى يلي النّفس الحيوانيّة زوجتها المسمّاة بحوّاء لكدرة لونها بقربها من النّفس الحيوانيّة ، والمراد بالشّجرة المنهيّة مرتبة النّفس الانسانيّة الّتى هي جامعة لمقام الحيوانيّة والمرتبة الآدميّة ، والمراد بالحيّة واختفاء إبليس بين لحييها القوّة الواهمة فانّها لكونها مظهرا لإبليس تسمّى بإبليس في العالم الصّغير ، ووسوسته تزيينها ما لا حقيقة له للجنب الأيسر من آدم المعبّر عنه بحوّاء وهبوط آدم (ع) وحوّاء (ع) عبارة عن تنزّلها الى مقام الحيوانيّة ، وهبوط إبليس والحيّة وذريتّهما عبارة عن تنزّلها عن مقام التّبعيّة لآدم ؛ فانّ إبليس لمّا كان الواهمة أحد مظاهره كان رفعتها رفعته ، وشرافتها باستخدام آدم لها شرافته ، وهبوط الواهمة كان هبوطا له ، وإذا أريد بالشّجرة النّفس الانسانيّة ارتفع الاختلاف من الاخبار فانّ النّفس الانسانيّة شجرة لها أنواع الثّمار والحبوب وأصناف الأوصاف والخصال لانّ الحبوب والثّمار وان لم تكن بوجوداتها العينيّة الدّانيّة موجودة فيها لكنّ الكلّ بحقائقها موجودة فيها فتعيين تلك الشّجرة بشيء من الحبوب والثّمار أو العلوم والأوصاف بيان لبعض شؤنها. روى في تفسير الامام (ع) انّها شجرة علم محمّد (ص) وآل محمّد (ع) الّذين آثرهم الله تعالى به دون سائر خلقه فقال الله تعالى : (لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ؛) شجرة العلم فانّها لمحمّد (ص) وآله (ع) دون غيرهم ولا يتناول منها بأمر الله الّاهم ، ومنها ما كان يتناوله النّبىّ (ص) وعلىّ (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) بعد إطعامهم المسكين واليتيم والأسير حتّى لم يحسّوا بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب وهي شجرة تميّزت من بين سائر الأشجار بانّ كلّا منها انّما يحمل نوعا من الثّمار وكانت هذه الشّجرة وجنسها تحمل البرّ والعنب والتّين والعنّاب وسائر أنواع الثّمار والفواكه والاطعمة ، فلذلك اختلف الحاكون فقال بعضهم : برّة ، وقال آخرون : هي عنبة ، وقال آخرون : هي عنّابة ، وهي الشّجرة الّتى من تناول منها بإذن الله ألهم علم الاوّلين والآخرين من غير تعلّم ، ومن تناول بغير اذن الله خاب من مراده وعصى ربّه. أقول : آخر الحديث يدلّ على ما قالته الصّوفيّة من انّ السّالك ما لم يتمّ سلوكه ولم ينته الى مقام الفناء ولم يرجع الى الصّحو بعد المحو بإذن الله لم يجز له الاشتغال بالكثرات ومقتضيات النّفس زائدا على قدر الضّرورة وشجرة علم محمّد (ص) وآل محمّد (ع) اشارة الى مقام النّفس الجامع لكمالات الكثرة والوحدة (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) الفاء سببيّة دالّة على سببيّة الاكل لصيرورتهما من الظّالمين اى لحدوث الظّلم بعد الاتّصاف بالمتضادّات يعنى انّ الاكل من الشّجرة يصير سببا للاتّصاف بالمتضادّات وهو يقتضي منع الحقوق عن أهلها واعطائها لغير أهلها ، أو لحدوث الاتّصاف بالظّلم ابتداء يعنى انّ الاكل من الشّجرة حين عدم استحقاق الاكل ظلم