فاذا أكلتما صرتما متّصفين بالظّلم ، أو لاعمّ من حدوث الظّلم بواسطة أو بلا واسطة (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) اصدر عثرتهما عن جهة الشّجرة ، أو أزالهما عن الجنّة بالعثرة بوسوسته وخديعته بان اختفى بين لحيي الحيّة وقرب من مقام آدم (ع) وقال لآدم (ع) ما حكاه الله تعالى وردّ آدم (ع) عليه وظنّ ان الحيّة تخاطبه فلمّا ايس من قبول آدم (ع) عاد ثانيا الى حوّاء فخاطبها وخدعها حتّى أكلت ثمّ اغترّ آدم (ع) فأكل فلمّا اكلا حصل لهما الشّعور بالشّعور فأدركا من سواتهما ما لم يكونا يدركانه قبل ذلك (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) من الجنّة الّتى كانا فيها ، أو من مقامهما الّذى كانا فيه (وَقُلْنَا) لآدم (ع) وحوّاء (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) جمع الضّمير لارادة ذرّيّتهما معهما لكونهما اصلين لهم ، أو قلنا لآدم (ع) وحوّاء (ع) وإبليس والحيّة (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ) ارض الطّبع والنّفس الحيوانيّة أو أرض العالم الكبير (مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ) ما تنتفعون به أو تمتّع (إِلى حِينٍ) حين ينقضي آجالكم وبقوم قيامتكم الصّغرى.
اعلم انّه تعالى باقتضاء حكمته الكاملة يخلّى بين آدم ومشتهياته المنسوبة الى نفسه الدّانيّة ليهبط من مقامه العالي الى سجن الدّنيا ليستكمل فيه ويستكثر نسله وأتباعه كما قال المولوى قدسسره :
من چو آدم بودم اوّل حبس كرب |
|
پر شد اكنون نسل جانم شرق وغرب |
فاذا استكمل في نفسه وفي نسله وأتباعه تاب الله عليه وأخرجه من سجنه امّا بالموت الاختيارىّ أو الاضطرارىّ وبدون ذلك الهبوط لا يحصل كمال لآدم ولا نسل ولا اتباع بل نقول : شأنه تعالى تقليب آدم النّوعىّ من الجنّة الى سجن النّفس ومن سجن النّفس الى الجنّة كما قال تعالى شأنه : ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال.
گر بجهل آييم آن زندان اوست |
|
ور بعلم آييم آن ايوان اوست |
وفي هذا التّقليب تكميله وإتمام النّعمة عليه.
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) الكلمات المتلقّاة من الرّبّ ليست شبيهة بكلمات الخلق كما يظنّ بل هي عبارة عن الّلطائف الوجوديّة الّتى هي التّوحيد والنّبوّة والولاية ومراتب كلّ منها ومراتب العالم الّتى لا نهاية لها ؛ فانّ الكلمة كما تطلق على الكلمة الّلفظيّة وعلى الكلمة النّفسيّة الّتى هي حديث النّفس تطلق على العقائد والعلوم وعلى الّلطائف الوجوديّة وعلى مراتب الوجود ، وقوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) ؛ أريد به مراتب الوجود ، وإذا قيس قوله (ص): أوتيت جوامع الكلم ، بهذا علم فضل محمّد (ص) على إبراهيم (ع) ولمّا أريد بالكلمات الّلطائف الوجوديّة وتلك الّلطائف يمكن التّعبير عنها بتعبيرات مختلفة ورد في الاخبار كلمات مختلفة في تفسيرها ، وجمع الاخبار بعد الاطّلاع على ما ذكرنا في غاية الوضوح.
تحقيق توبة العبد
فتاب الله عليه توبة العبد من الشّيء إدباره عنه مع الانزجار منه سواء كان ذلك الشّيء من المعاصي الظّاهرة أو الباطنة ، أو المقامات النّازلة الّتى يقف العبد فيها أو المشاهدات الّتى قد يفتتن السّالك بها ، أو الخطرات الّتى توبة الأولياء منها ، أو الالتفات الى غير الله الّذى توبة الأنبياء منه ؛ وهي قسيمة للانابة فانّ الانابة الإقبال والرّجوع.