ان تأمروا النّاس بذلك وتتركوا أنفسكم بان لا تصلحوا بالايتمار فأصلحوها اوّلا بإقامة الصّلوة وإيتاء الزّكاة والرّكوع مع الرّاكعين بأىّ معنى أريد ، ثمّ مروا النّاس بذلك لقبح امر النّاس بذلك وعدم الايتمار به في العقل والعرف (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) السّماوىّ من التّوراة والإنجيل وغيرهما من الصّحف دونهم ، أو أنتم تتلون كتاب النّبوّة وأحكام الشّريعة دون النّاس فأنتم عالمون بالمعروف دونهم ، فأنتم اولى بالايتمار منهم ، أو المعنى وأنتم تتلون الكتاب وفيه قبح الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر ممّن لا يأتمر ولا يتناهى (أَفَلا تَعْقِلُونَ) قبح ذلك وعقوبة القبيح بعده.
تحقيق الأمر بالمعروف وموارده
اعلم انّ الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر واجبان في الجملة امّا عموم وجوبهما لكلّ فرد بالنّسبة الى كلّ واحد من النّاس وبلا شرط فلا ؛ فنقول : انّهما واجبان على كلّ بالغ رشيد بالنّسبة الى من في عالمه الصّغير فانّه إذا تعلّق التّكليف بالإنسان كان عليه كان يأمر نفسه وقواه بما علم انّه خيره وينهى عمّا هو شرّه بالنّسبة الى قوّته الانسانيّة كما كان يأمر بما هو خيره وينهى عمّا هو شرّ له بالنّسبة الى قواه الحيوانيّة قبل ذلك ، وما لم يعلم انّه خير أو شرّ كان عليه اوّلا تحصيل العلم بذلك ثمّ الأمر والنّهى ، ومن كان جمع آخر تحت يده مثل امرأته وأولاده ومملوكه لا مثل الأجير والمكاري والخادم كان عليه ان يأمرهم بما علم انّه خير لهم وينهاهم كذلك ، وما لم يعلم انّه خير أو شرّ كان عليه تحصيل علمه اوّلا ثمّ الأمر والنّهى وليس عليه ان يطهّر نفسه اوّلا ثمّ يستأذن الامام ثمّ يأمر وينهى فانّ من تحت اليد كالقوى والجنود الّتى في عالمه الصّغير من جملة اجزائه ، والأمر والنّهى بالنّسبة إليهم مطلقا غير مقيّدين بطهارة النّفس عن جملة الرّذائل وحصول القوّة القدسيّة الرادعة عن المعاصي ، نعم كان عليه ان يأمر وينهى اوّلا نفسه ويزجرها عن الرّذائل ثمّ يأمر وينهى من تحت يده والّا دخل تحت الأمر التّارك والنّاهى الفاعل ، وامّا بالنّسبة الى عموم الخلق فليس ذلك واجبا على كلّ أحد بل على من تطهّر اوّلا من المعاصي والرّذائل ، وحصّل القوّة القّدسيّة الرّادعة عن ارتكاب المعاصي ، وحصّل العلم بمعروف كلّ أحد من النّاس ومنكره فانّ المعروف والمنكر يختلفان بحسب اختلاف الأشخاص ؛ وحسنات الأبرار سيّئات المقرّبين يدلّ عليه ، وفي الاوّلين خلاف بل أفتى أكثر الفقهاء رضوان الله عليهم بوجوب الأمر بالمعروف على تاركه والنّهى عن المنكر على فاعله ، وامّا الثّالث فلا خلاف في انّه شرط لوجوب الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر بل لا خلاف في كونه شرطا لجوازهما ، وقيل : انّ هذا الشّرط يقتضي اشتراطهما بالاوّلين أيضا فانّ العلم بمعروف كلّ أحد ومنكره يقتضي البصيرة التّامّة بحاله بحيث يعلم انّه في اىّ مقام من الايمان والإسلام ، ويعلم أنّ اىّ مرتبة من الأحكام يقتضيها ذلك المقام ، وهذه البصيرة لا تكون الّا لمن تطهّر عن المعاصي والرّذائل وحصّل القوّة القدسيّة الّتى هي شرط في الإفتاء ، فانّ الإفتاء كالامر بالمعروف لا يجوز لكلّ أحد بل لمن تطهّر وحصّل القوّة القدسيّة المذكورة وسيأتى ان شاء الله بيان له ، وفيما روى عن الصّادق (ع) تصريح بعدم جواز الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر بالنّسبة الى عموم الخلق لكلّ فرد من النّاس وهو قوله (ع): من لم ينسلخ من هواجسه (١) ولم يتخلّص من آفات نفسه وشهواتها ولم يهزم الشّيطان ولم يدخل في كنف الله وأمان عصمته لا يصلح للأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر لانّه إذا لم يكن بهذه الصّفة فكلّ ما أظهر يكون حجّة عليه ولا ينتفع النّاس به قال الله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) ويقال له : يا خائن أتطالب خلقي بما خنت به نفسك
__________________
(١) ـ في القاموس هجس من باب ضرب بمعنى خطر هجس في صدره خطر أو هو خطرات السّوء الّتى يسمّى وسواس