ولمّا كان الشّكر بمعنى ملاحظة المنعم في النّعمة أو صرف النّعمة فيما خلقت لأجله وكلّ منهما لا يمكن للمحتجب بالانانيّة والمقيّد بالحيوة الدّانية عقّب البعث الّذى هو الحيوة الإلهيّة بعد الاماتة عن الحيوة الدّانية والخروج من الانانيّة بترقّب الشّكر (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) حين كونكم تائهين في التّيه ليقيكم من ضرّ حرّ الشّمس وبرد القمر (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَ) فسّر المنّ بالتّرنجبين (وَالسَّلْوى) بالعسل وبالطّائر المشوىّ وبالسّمانى وهو طير يشبه الحمام أطول ساقا وعنقا منه (كُلُوا) اى قائلين كلوا (مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) والأمر في أمثال المقام أعمّ من الاباحة والوجوب والرّجحان بحسب اعداد الأشخاص وأحوال الشّخص الواحد ومقدار الاكل لشخص واحد في حال واحدة والمراد بما رزقه الله هاهنا ان كان المنّ والسّلوى فاضافة الطيّبات للتّبيين لا للتّقييد ، وان كان المراد مطلق ما رزقه الله العباد فالاضافة للتّقييد اى تقييد المضاف اليه بالمضاف ، أو نقول : ان كان المراد بالمرزوق المنّ والسّلوى فطيبوبته وعدم طيبوبته بذكر اسم الله عليه وعدمه والمعنى كلوا ممّا ذكر اسم الله عليه ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه وحينئذ فالاضافة للتّقييد وفي تفسير القمىّ لمّا عبر موسى (ع) بهم البحر نزلوا في مفازة فقالوا : يا موسى أهلكتنا وأخرجتنا من العمران الى مفازة لا ظلّ فيها ولا شجر ولا ماء فكانت تجيء بالنّهار غمامة تظلّهم من الشّمس وتنزّل عليهم باللّيل المنّ فيأكلونه وبالعشىّ يجيء طائر مشويّ فيقع على موائدهم فاذا أكلوا وشبعوا طار عنهم وكان مع موسى (ع) حجر يضعه في وسط العسكر ثمّ يضربه بعصاه فينفجر منه اثنتا عشرة عينا فيذهب الماء الى كلّ سبط وكانوا اثنى عشر سبطا فلمّا طال عليهم ملوّا وقالوا : يا موسى لن نصبر على طعام واحد (وَما ظَلَمُونا) بكفران النّعمة واستبدال الأدنى بالّذى هو خير أو ما ظلمونا بالاعتراض على موسى (ع) وعدم مراعاة تعزيزه وتوقيره وهو تعريض بأمّة محمّد (ص) وكفرانهم النّعمة وعدم تعظيم محمّد (ص) والائمّة (ع). وعن الباقر (ع) انّه قال : انّ الله أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من ان يظلم ولكنّه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) يعنى الائمّة منّا (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) باستبدال الأدنى بالّذى هو خير ، أو بإزالة النّعمة بالكفران ، أو بظلم الائمّة الّذين هم أنفس الخلائق وذواتهم حقيقة ، أو بظلم الائمّة المسبّب أو السّبب لا هلاك أنفسهم (وَإِذْ قُلْنَا) واذكروا يا بنى إسرائيل إذ قلنا لكم حين خرجتم من التّيه (ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) وهي بيت المقدّس أو أريحا من بلاد الشام (فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) واسعا بلا تعب (وَادْخُلُوا الْبابَ) اى باب القرية أو باب القبّة الّتى في بيت المقدّس كانوا يصلّون إليها (سُجَّداً) ساجدين لله أو خاضعين متواضعين للّشكر على خروجكم من التّيه ذكر أنّه مثّل الله تعالى على الباب مثال محمّد (ص) وعلىّ (ع) وأمرهم ان يسجدوا تعظيما لذلك ويجدّدوا على أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما ويذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم (وَقُولُوا) بألسنتكم هذه الفعلة من السّجود والتّعظيم لمثال محمّد (ص) وعلىّ (ع) (حِطَّةٌ) لذنوبنا أو قولوا بألسنة قلوبكم أو اعتقدوا ذلك أو هو مصدر مبنىّ للمفعول اى قولوا بألسنة أجسادكم أو قلوبكم لنا حطّة وسفلية بالنّسبة الى المثال المذكور وهي فعله من حطّة إذا أنزله وألقاه وقرئ حطّة بالنّصب مفعولا لفعل محذوف وعلى أىّ تقدير فهذه الكلمة امّا جزء جملة محذوفة المبتدأ أو محذوفة الخبر أو قائمة مقام جملة محذوفة وعلى التّقادير فهي امّا انشائيّة دعائيّة أو خبريّة (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ)