بإقامة حدوده ومن جملة حدوده الأمر بالولاية وهي العمدة ، أو ما انزل إليكم من ربّكم في الولاية كما في أخبارنا على وجه التّعريض ، ويمكن ان يقال : وما أنزل إليكم من ربّكم على السنة انبيائكم وأوصيائهم من أخذ الميثاق وانتظار الفرج بمحمّد (ص) (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) في علىّ أو مطلقا لكن يكون المقصود ما انزل في الولاية بنحو التّعريض (طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) فانّهم لانحرافهم عن باب الولاية لم يبق فيهم ما يتأسّف به عليهم ولا يضرّونك ولا عليّا (ع) أيضا بانحرافهم حتّى تتأسّف على ذلك (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمّد (ص) بقبول الدّعوة الظّاهرة وبالبيعة العامّة النّبويّة (وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) عطف على محلّ اسم انّ على ضعف أو على محلّ ان واسمها (وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ) بقبول الدّعوة الباطنة والبيعة مع علىّ (ع) بالبيعة الخاصّة الولويّة ودخول الايمان في قلوبهم ، فانّ به فتح باب القلب ، وبفتحه رفع الخوف والحزن والإيقان باليوم الآخر ، وبه يعمل العمل الصّالح (بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً) الأعمال المرتبطة بالايمان الدّاخل في القلب الّذى هو أصل كلّ صالح ، وغيره بتوسّطه يصير صالحا (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) لانّ الخوف والحزن من صفات النّفس وهؤلاء قد خرجوا من دار النّفس ودخلوا في حدود دار القلب فتبدّل خوفهم خشية وحزنهم قبضا ، ولا ينافي هذا ما ورد كثيرا من نسبة الخوف والحزن الى المؤمن الخاصّ في الآيات والاخبار ، لانّ اطلاق الخوف والحزن على ما للمؤمن الخاصّ انّما هو باعتبار معناهما العامّ وقد عدّ الفرح من جنود العقل والحزن من جنود الجهل ، وما ورد من انّ المؤمن خوفه ورجاءه متساويان ككفّتى الميزان فانّما يراد بالخوف معناه الاعمّ ، وورد انّ المراد نفى الخوف والحزن في الآخرة (لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) يعنى كما أخذنا ميثاقكم بولاية علىّ (ع) فاحذروا ان تكونوا مثلهم فتكذّبوا فريقا وتقتلوا فريقا كما فعلوا بعلىّ (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) (وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) الإتيان بالاستقبال لاستحضار الحال الماضية تفضيحا لهم بإحضار اشنع أحوالهم وللمحافظة على رؤس الآي (وَحَسِبُوا) من تماديهم في الغفلة والاعراض (أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) عذاب وابتلاء من الله بسبب هذا التّكذيب والقتل استصغارا للّذنب العظيم (فَعَمُوا) عن الاعتبار بمن مضى (وَصَمُّوا) عن استماع حكاياتهم وعن استماع الحقّ (ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ) بتوبتهم وقبول نصح الأنبياء وأوصيائهم (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا) كرّة اخرى (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) بدل بعض من الكلّ (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) وقد وقع هذا في أمّة محمّد (ص) والمقصود بالآية التّعريض بهم ، في الكافي عن الصّادق (ع) في بيان وجه التّعريض وحسبوا ان لا تكون فتنة قال حيث كان النّبىّ (ص) بين أظهرهم فعموا وصمّوا حيث قبض رسول الله (ص) ثمّ تاب الله عليهم حيث قام أمير المؤمنين (ع) ثمّ عموا وصمّوا الى السّاعة ، ويمكن بيان التّعريض بوجه آخر وهو ان يقال : حسبوا ان لا تكون فتنة حيث تعاهدوا في مكّة فعموا وصمّوا عن دلائل صدق محمّد (ص) ثمّ تاب الله عليهم حيث بايعوا عليّا (ع) بالخلافة ثمّ عموا وصمّوا حيث نقضوا بيعته (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) حيث قالوا بآلهة عيسى (ع) وحصروها فيه امّا بالاتّحاد كما هو زعم بعض أو بالحلول كما هو زعم بعض ، أو بالفناء من نفسه والبقاء بالله وظهور الله فيه كما هو