وعن علىّ (ع) لمّا وقع التّقصير في بنى إسرائيل جعل الرّجل يرى أخاه في الّذنب فينهاه فلا ينتهى فلا يمنعه ذلك من ان يكون أكيله وجليسه وشريبه حتّى ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ونزل فيهم القرآن حيث يقول جلّ وعزّ : لعن الّذين كفروا (الآية) وفيه دلالة على ذمّ المؤانسة مع أهل المعصية (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) من عدم نهى بعضهم بعضا قولا وفعلا وقلبا ، أو من عدم ارعوائهم عن الشّرّ (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) امّا بيان حال الامّة أو بيان حال أهل الكتاب والتّعريض بالامّة والخطاب لمحمّد (ص) أو عامّ (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ) المخصوص بالّذمّ محذوف اى تولّيهم (أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) بتقدير اللّام أو الباء أو هو مخصوص (وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) بسبب ذلك التّولّى ، عن الباقر (ع) يتولّون الملوك الجبّارين ويزيّنون لهم أهواءهم ليصيبوا من دنياهم (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِ) الحاضر اعنى محمّدا (ص) على ان يكون بيان حال الامّة أو نبيّهم على ان يكون بيان حال أهل الكتاب لكنّ الاوّل اولى لافراده (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ) يعنى في علىّ (ع) أو مطلقا والمقصود ما انزل في علىّ (ع) (مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ) لمجانبة الايمان للكفر والتّولّى يقتضي المجانسة (وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن الحقّ الّذى هو الايمان.
الجزء السّابع
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) لانّهم لتوغّلهم في الدّنيا وعدم توجّههم الى الآخرة بسبب بعد زمان نبيّهم واندراس شريعته واستبدال احكامه صارت أحوالهم بعيدة عن أحوال المؤمنين لتوجّههم الى الآخرة وتلبّسهم الأحكام الشّرعيّة فلم يبق مجانسة بينهما بوجه من الوجوه ، والعداوة ناشئة من عدم المجانسة كما انّ المحبّة ناشئة من المجانسة (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا) وضع الظّاهر موضع المضمر ليكون تصريحا بانّ ملاك عداوة أولئك ومحبّة هؤلاء هو الايمان لا غير (الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) لم يقل النّصارى لانّ هذا الاسم لاشتقاقه من النّصرة يدلّ على انّهم أنصار الله ولو كانوا أنصار الله لكانوا تابعي محمّد (ص) كذا قيل ، أو لانّ التّنصّر يكون بالتّدّين بدين عيسى (ع) على شرائطها من البيعة مع خلفائه وأخذ الميثاق منهم وهؤلاء انتحلوا التّنصّر كانتحال التّشيّع لاكثر الشّيعة من غير القائلين بالأئمّة الاثنى عشر ، وامّا اسم اليهود فانّه يطلق عليهم لكونهم من نسل يهود ابن يعقوب أو من اتباع أولاده الّذين فيهم النّبوّة وان كان اتّفق تديّنهم بدين موسى (ع) (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ) العلماء الّذين يأمرونهم بأحكام الإنجيل من العقائد والأحكام الفرعية (وَرُهْباناً) الزّهّاد الّذين تركوا الدّنيا واشتغلوا بالعبادة وتحصيل العقبى ، اعلم انّ كلّ شريعة من لدن آدم (ع) كانت مشتملة على السّياسات والعبادات القالبيّة وعلى العبادات والتّهذيبات القلبيّة ولكلّ منهما كان أهل ورؤساء يبيّنها لمن أراد التّوسّل بها واتباع يعمل بها ويسمّى رؤساء كلّ منهما في كلّ ملّة باسم خاصّ كالاحبار والرّهبان في ملّة النّصارى والموبد والهربد في ملّة العجم ، والمجتهد والصّوفى ، أو العالم والعارف ، أو العالم والتّقى في ملّة الإسلام ، والمقصود انّ النّصارى بواسطة عدم بعد زمان نبيّهم وعدم اندراس أحكامهم وعدم انقطاع علمائهم الّذين يأمرونهم بطلب الآخرة قالا وعدم انقطاع مرتاضيهم الّذين يأمرونهم حالا طالبون للآخرة ومجانسون للمؤمنين فهم محبّون لهم لمجانستهم (وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن انقياد الحقّ (وَإِذا سَمِعُوا