مصرّا على طلب مستلذّات المرتبة العالية كما يحبّ ان يراه في هذه الحالة معرضا عن مباحات المرتبة الدّانية مكتفيا بضروريّاتها وراجحاتها ، ولا تعتدوا عمّا أباح الله الى ما حظره أو في المباح الى حدّ الحظر ، والآية اشارة الى التّوسّط بين التّفريط والإفراط في كلّ الأمور من الأفعال والطّاعات والأخلاق والعقائد والسّير الى الله فانّ المطلوب من السّائر الى الله ان يكون واقعا بين افراط الجذب وتفريط السّلوك (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) في كلّ مرتبة (وَاتَّقُوا اللهَ) في الاعتداء عن حدّ الرّخصة الى مرتبة الحظر على ان يكون الفقرتان مطابقتين للففرتين السّابقتين أو في الاعتداء وفي تحريم رخصه على ان يكون متعلّق التّقوى اعمّ من التّحريم والاعتداء (الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) توصيفه تعالى بهذا الوصف للتّهييج.
حكاية علىّ (ع) وبلال وعثمان بن مظعون عند قوله (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً)
روى عن الصّادق (ع) انّ هذه الآية نزلت في مولانا أمير المؤمنين (ع) وبلال وعثمان بن مظعون ، فامّا أمير المؤمنين (ع) فحلف ان لا ينام باللّيل ، وامّا بلال فانّه حلف ان لا يفطر بالنّهار أبدا ، ونقل انّه حلف ان لا يناجي ربّه ، وامّا عثمان بن مظعون فانّه حلف ان لا ينكح أبدا ، ومضى عليه مدّة على ما نقل فدخلت امرأة عثمان على عائشة وكانت امرأة جميلة فقالت عائشة : ما لي أراك متعطّلة؟ ـ فقالت : ولمن اتزيّن؟ ـ فو الله ما قربني زوجي منذ كذا وكذا ، فانّه قد ترهّب ولبس المسوح وزهد في الدّنيا ، فلمّا دخل رسول الله (ص) أخبرته عائشة بذلك ، فخرج فنادى الصّلوة جامعة فاجتمع النّاس فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثمّ قال: ما بال أقوام يحرّمون على أنفسهم الطّيّبات انّى أنام باللّيل وانكح وأفطر بالنّهار فمن رغب عن سنّتى فليس منّى ، فقام هؤلاء فقالوا : يا رسول الله (ص) فقد حلفنا على ذلك فأنزل الله آيات الحلف الآتية ، والاشكال اوّلا بانّ أمثال هذه المعاتبات ونسبة التّحريم والاعتداء والتّقوى ولغو الايمان غير مناسبة لمقام علىّ (ع) وثانيا بانّه (ع) امّا كان عالما بأنّ تحريم الحلال ان كان بالاستبداد والرّأى كان من البدع والظّلال ، وان كان بالنّذر وشبهه كما دلّ عليه الخبر كان مرجوحا غير مرضىّ لله تعالى ومع ذلك حرّمه على نفسه ، أو كان جاهلا بذلك ، وكلا الوجهين غير لائق بمقامه (ع) منقوض بقوله تعالى في حقّ رسوله (ص) : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) والجواب الحلّىّ لطالبي الآخرة والسّالكين الى الله الّذين بايعوا عليّا (ع) بالولاية وتابعوه بقدم صدق واستشمّوا نفحات نشأته حال سلوكه ان يقال : انّ السّالك الى الله يتمّ سلوكه باستجماعه بين نشأتى الجذب والسّلوك بمعنى توسّطه بين تفريط السّلوك الصّرف وافراط الجذب الصّرف ، فانّه ان كان في نشأة السّلوك فقط جمد طبعه ببرودة السّلوك حتّى يقف عن السّير ، وان كان في نشأة الجذب فقط فنى بحرارة الجذب عن أفعاله وصفاته وذاته بحيث لا يبقى منه اثر ولا خبر ، وهو وان كان في روح وراحة لكنّه ناقص كمال النّقص من حيث انّ المطلوب منه حضوره بالعود لدى ربّه مع جنوده وخدمه واتباعه وحشمه وهو طرح الكلّ وتسارع بوحدته ، فالسّالك الى الله تكميله مربوط بان يكون في الجذب والسّلوك منكسرا برودة سلوكه بحرارة جذبه فالجذب والسّلوك كاللّيل والنّهار أو كالصّيف والشّتاء من حيث انّهما يربّيان المواليد بتضادّهما فهما مع كونهما متنازعين متألّفان متوافقان ، إذا علمت ذلك فاعلم ، انّ السّالك إذا وقع في نشأة الجذب وشرب من شراب الشّوق الزّنجبيلىّ سكر وطرب ووجد بحيث لا يبقى في نظره سوى الخدمة للمحبوب وكلّما رآه منافيا للخدمة رآه ثقلا ووبالا على نفسه ومكروها لمولاه فيصمّم في طرحه ويعزم على ترك الاشتغال به وهو من كمال الطّاعة لا انّه