وادراك المدارك الجزئيّة والكلّيّة أكلها ، وكذلك تصرّفات القوى العلّامة لتهيّؤ القوى العمّالة أكلها ، والإنسان من اوّل تميّزه نشأته نشأة الحيوان لا يدرى خيرا الّا ما اقتضته القوى الحيوانيّة ولا شرّا الّا ما استكرهته ولا يتصوّر له التّقوى سوى التّقوى اللّغويّة ، فاذا بلغ مقام المراهقة حصل له في الجملة تميز الخير والشّرّ الانسانيّين وتعلّق به زاجرا الهىّ باطنيّ بحيت يستعدّ لقبول الأمر والنّهى من زاجر بشرىّ ، لكن لا يكلّف لضعفه ويمرّن لوجود الاستعداد والزّاجر الباطنىّ ويتصوّر له التّقوى بالمعنى الاوّل والثّانى في هذا المقام بمقدار تميزه الخير والشّرّ الانسانيّين ، فاذا بلغ أو ان التّكليف وقوى التميز والاستعداد والزّاجر الهىّ تعلّق به التّكليف من الله بواسطة النّذر ، وبقبوله التّكليف بالبيعة والميثاق يحصل له الإسلام ويتصوّر له التّقوى أيضا بالمعنى الاوّل والثّانى ، ولا يتصوّر له التّقوى بالمعنى الثّالث لعدم وصوله الى الطّريق بعد ، وفي هذا المقام يكلّفه المكلّف الالهىّ بالتّكاليف القالبيّة وينبّهه على انّ للإنسان طريقا الى الغيب وله بحسب هذا الطّريق تكاليف أخر ويدلّه على من يريه الطّريق ويكلّفه التّكليفات الاخر اشارة أو تصريحا ، أو يريه بنفسه الطّريق فاذا ساعده التّوفيق وتمسّك بصاحب الطّريق حتّى قبله وكلّفه بالبيعة والميثاق التّكليفات القلبيّة صار مؤمنا بالايمان الخاصّ ومتمسّكا بالطّريق متّقيا بالمعنى الثّالث وسالكا الى الله وله في سلوكه مراحل ومقامات وزكوة وصوم وصلوة وتروك وفناءات. ففي المرتبة الاولى يرى من نفسه الفعل والتّرك وجملة صفاته فاذا ترقّى وطرح بعض ما ليس له ويرى الفعل من الله ولا حول ولا قوّة الّا بالله صار فانيا من فعله باقيا بفعل الحقّ ، فاذا ترقّى وطرح بعضا آخر بحيث لا يرى من نفسه صفة صار فانيا من صفته باقيا بصفة الله ، فاذا ترقّى وطرح الكلّ بحيث لا يرى نفسه في البين صار فانيا من ذاته وفي هذا المقام ان أبقاه الله صار باقيا بعد الفناء ببقاء الله وتمّ له السّلوك وصار جامعا بين الفرق والجمع والوحدة والكثرة ، وجعل العرفاء الشّامخون بحسب الامّهات أسفار السّالك وسيره اربعة وسمّوها أسفارا اربعة : السّفر الاوّل السّير من النّفس الى حدود القلب وهو سيره في الإسلام وعلى غير الطّريق ويسمّونه السّفر من الخلق الى الحقّ ، والثّانى سيره من حدود القلب الى الله وهو سيره في الايمان وعلى الطّريق وبدلالة الشّيخ المرشد وفي هذا السّير يحصل الفناءات الثّلاثة ويسمّونه السّفر من الحقّ في الحقّ الى الحقّ ، والثّالث سيره بعد الفناء في المراتب الالهيّة من غير ذات وشعور بذات ويسمّونه السّفر بالحقّ في الحقّ الى الحقّ ، والرّابع سيره بالحقّ في الخلق بعد صحوه وبقائه بالله ويسمّونه السّفر بالحقّ في الخلق ، إذا علمت ذلك فنقول : معنى الآية انّه ليس على الّذين بايعوا بالبيعة العامّة النّبويّة وقبول الدّعوة الظّاهره وأسلموا بقبول الأحكام القالبيّة وتوجّهوا من ديار الإسلام الّتى هي صدورهم الى ديار الايمان الّتى هي قلوبهم وعملوا الأعمال الّتى أخذوها من صاحب إسلامهم جناح فيما فعلوا وحصّلوا من الأفعال والعلوم ، ولمّا كان المراد بالتّقوى في لسان الشّارع هو المعنى الثّانى والثّالث دون الاوّل لم يقل تعالى شأنه : ليس على الّذين اتّقوا وآمنوا في تلك المرتبة واقتصر على الايمان والعمل الصّالح ، لكن نفى الجناح بشرط ان اتّقوا صوارفهم عن التّوجّه الى الايمان والترحّل الى السّفر الثّانى والوصول الى الطّريق ، وجملة المخالفات الشّرعيّة صوارفه عن هذا التّوجّه ، وآمنوا بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة وعملوا الصّالحات الّتى أخذوها من صاحب الطّريق ثمّ اتّقوا نسبة الأفعال والصّفات الى أنفسهم وآمنوا شهودا بما آمنوا به غيابا ، وفي هذا المقام يقع السّالك وفي ورطات الحلول والاتّحاد والإلحاد وسائر أنواع الزّندقة من الثّنويّة وعبادة الشّيطان والرّياضة بخلاف الشّرائع الالهيّة ومغلطة الأرواح الخبيثة بالأرواح الطّيّبة فانّه مقام تحته مراتب غير متناهية وورطات غير محصورة وأكثر ما فشا في القلندريّة من العقائد والأعمال نشأ من هذا المقام ، والسّالك في هذه المرتبة لا يرى صفة ولا فعلا من نفسه ولذلك