بيان السعادة
وفي الاخبار ما يدلّ على تعدّد السّماوات في عالم الأرواح ولتقدّم السّماوات شرفا ووجودا ورتبة وعلّيّة من حيث النّزول قدّمها على الأرض ، وجمع السّماوات وافراد الأرض هاهنا وفي أكثر الآيات للاشارة الى كثرة السّماوات وقلّة الأرض وانّ الأرض مع تعدّدها وكثرتها من حيث محاطيّتها امر واحد وانّ طبقاتها متراكمة بحيث انّ الدّانيّة فانية في العالية ومتّحدة معها ، وليست السّماوات كذلك فانّها كثيرة محيطة مستقلّة غير متراكمة ، بين كلّ سماء وسماء مسافة بعيدة ، والنّور اسم للظّاهر بذاته والمظهر لغيره وهذا المعنى حقيقة حقّ حقيقة الوجود الّتى هي حقيقة الحقّ الاوّل تعالى شأنه ، فانّه ظاهر بذاته من غير علّة وفاعل يظهره ومظهر لغيره من الأنوار الحقيقيّة والعرضيّة وظلمات المهيّات والحدود ونقائص الاعدام وطلسمات عالم الطّبع وعالم الجنّة والشّياطين فالحقّ الاوّل تعالى أحد مصاديق النّور والمقصود هاهنا غيره تعالى لتعلّق الجعل به وليس الاوّل تعالى مجعولا والاولى بالنّوريّة بعد الحقّ الاوّل تعالى الحقّ المضاف الّذى هو فعل الاوّل تعالى وكلمته وإضافته الاشراقيّة والحقيقة المحمّديّة (ص) والمشيّة الّتى خلق الأشياء بها وهو أيضا حقيقة واحدة بوحدة الحقّ الاوّل وهو ظهوره وتجلّيه الفعلىّ واسمه الأعظم وهو تجلّيه تعالى على الأشياء. ولمّا كان الحقّ المضاف لا بشرط واللّابشرط يجتمع مع الف شرط كان متّحدا مع الأشياء الّتى ظهر هو فيها ومقوّما لها ومعها وليست الأشياء سواها والحقّ الاوّل من حيث فاعليّته هو الحقّ المضاف ، فانّ الفاعليّة هي نفس الفعل ولولا الفعل لما كان الفاعليّة والفعل بوحدته عين المنفعلات من حيث انّها منفعلات فصحّ ما قيل انّ بسيط الحقيقة كلّ الأشياء يعنى من حيث الفعل وصحّ ما نسب الى الفتوحات وهو قوله : سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها ، يعنى بحسب الفعل ومثال ذلك النّفس حيث انّها بوحدتها كلّ القوى فانّها في البصر عين البصر ، وفي السّمع عين السّمع ، وهكذا في غيرها ومع ذلك ما انثلم وحدتها وما تنزّلت عن مرتبتها العالية الغيبيّة ولولا هذا الاتّحاد والعينيّة لما صحّ نسبة فعل القوى إليها حقيقة كما انّه لو لا عينيّة الحقّ الاوّل مع الأشياء لما صح نسبة افعالها اليه حقيقة وكان قول القدريّة صحيحا وقول الثنويّة حقّا ، وهذا النّور حقيقة واحدة ظلّيّة مضيئة لسطوح المهيّات والحدود والكثرة المترائاة انّما هي بعرض المهيّات ولا ينثلم بها وحدتها الّذاتيّة كما انّ النّور العرضىّ الشّمسىّ حقيقة واحدة وتكثّره بتكثّر السّطوح لا ينثلم به وحدته ، والظّلمة عبارة عن عدم النّور فهي خافية في نفسها مخفية لغيرها وهذا شأن المهيّات والحدود والاعدام الّتى نشأت من تنزّل الوجود وضعفه ، وكلّما زاد التنزّل والضّعف ازدادت الحدود والمهيّات والخفاء والإخفاء حتّى إذا وصل الى عالم الطّبع الّذى اختفى فيه صفات الوجود ، وقد علمت انّ الكثرة بالّذات للحدود وبالحدود يتميّز الوجود كما انّ بالسّطوح تميّز النّور العرضىّ ولولاها لما ظهر ، ولذلك قدّم الظّلمات مجموعا واخّر النّور مفردا عكس الاوّل فقال تعالى (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) ولمّا كان الدّهريّة والطّبيعيّة والقائلون بالبخت والاتّفاق والقائلون بالاجزاء الّتى لا تتجزّى وغيرهم من الفرق الملحدة قائلين بقدم العالم بصورته ومادّته أو بمادّته فقط كانت الفقرة الاولى منعا لدعواهم ، ولمّا كان أكثر الثّنويّة قائلين بقدم النّور والظّلمة وانّها مبدءان للعالم وقد مضى وجه مغالطتهم في اوّل سورة النّساء عند قوله انّما التّوبة على الله للّذين يعملون السّوء بجهالة ، كانت الفقرة الثّانية منعا لدعواهم (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) فيه معنى التّعجّب ، وتخلّل ثمّ للاشارة الى استبعاد التّسوية مع كونه خالقا للسّماوات والأرض والظّلمات والنّور ، ولمّا كان الايمان به ينفتح باب القلب وبانفتاحه يوقن بالله وصفاته وملائكته وكتبه ورسله ، وبدون ذلك الانفتاح لا يمكن الايمان بالله ولذا اختصّ الايمان بمن بايع عليّا (ع)