من المأمولات والمهويّات استدراجا لهم وامهالا (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا) ممّا يرونهم نعمة (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) الإبلاس اليأس والتّحيّر وقيل منه إبليس وقيل انّه أعجميّ (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) وضع المظهر موضع المضمر للاشعار بالعلّة (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) جملة لانشاء الحمد والشّكر ، أو عطف على دابر القوم ، أو على قطع بمعنى بقي الحمد لله (رَبِّ الْعالَمِينَ) وفسّرت الآية في الخبر هكذا فلمّا نسوا ما ذكّروا به من ولاية أمير المؤمنين (ع) وورد أيضا انّه في ولد عبّاس (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ) فيسلب تميزكم كالمجانين (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) آيات قدرتنا وشواهدها (ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) يعرضون ولا يتأمّلون فيها (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً) من غير تقدّم امارة (أَوْ جَهْرَةً) مع تقدّم أمارته (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ) بشأنهم الولوىّ (وَمُنْذِرِينَ) بشأنهم النّبوىّ (فَمَنْ آمَنَ) بالايمان العامّ (وَأَصْلَحَ) بالايمان الخاصّ ، أو من آمن بالبيعة على يد علىّ (ع) وأصلح نفسه بالوفاء بالشّروط الّتى أخذت عليه كما عرفت انّ الإصلاح لا يمكن الّا بدخول الايمان في القلب وهو مسبّب عن الايمان الخاصّ (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) لما سبق انّ الخوف والحزن من صفات النّفس والمؤمن المصلح قد سافر من حدود النّفس ودخل حدود القلب الّذى من دخل فيه كان آمنا ، ويتبدّل خوفه بالخشية وحزنه بالاشتياق الّذى يعبّر عنه بالفارسيّة «بدرد» كما قيل :
قدسيانرا عشق هست ودرد نيست |
|
درد را جز آدمي در خورد نيست |
وغيّر الأسلوب لانّ الخوف منشأه امر خارج فكأنّه من طوارى النّفس والحزن منشأه القلب فهو من صفات النّفس ولملاحظة توافق رؤس الآي وقد مضى تحقيق وتفصيل لهذه الآية في اوّل البقرة (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا) بلسان الحال أو لسان القال (بِآياتِنا) وأعظمها الولاية ومن تكذيبها يسرى التّكذيب الى غيرها من الآيات (يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) بالخروج عن حكم العقل ومظهره الّذى هو النّبىّ (ص) أو الوصىّ (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) يعنى تنزّل الى مقام البشريّة ودارهم بحسب بشريّتك وأظهر ما هو لازمها حتّى يروك مثلهم فلا ينفروا عنك فقل : ليس عندي خزائن الله فتطالبوني بمال كثير (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) فتطالبوني بالاخبار المغيبات (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) فتطالبوني بما يقدر الملك عليه من الصّعود في السّماء وإتيان كتاب منه وأمثال ذلك (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) في كلّ باب من الأحكام والآيات الّتى يظهرها الله على يدي والاخبار بالمغيبات (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى) عن النّبوّات وكيفيّتها (وَالْبَصِيرُ) بها وبانّ النّبىّ لا يجوز ان يكون غير البشر ويجرى عليه كلّ ما يجرى على سائر افراده ، الّا انّه يعلم بتعليم الله ما لا يعلمه غيره ويوحى اليه ولا يوحى الى غيره (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) في عدم التّسوية حتّى تخرجوا من ظلمة العمى الى نور البصر (وَأَنْذِرْ بِهِ) اى بالله أو بالقرآن أو بعلىّ (ع) أو بما يوحى إليك (الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ)