المضاف الّذى هو ربّهم في الولاية (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) الولىّ هو الشّيخ في الولاية والشّفيع كالنّصير هو الشّيخ في الدّلالة ، وبعبارة اخرى الولىّ هو معلّم احكام القلب والشّفيع هو معلّم احكام القالب والاوّل شأن الولاية والثّانى شأن النّبوّة ولمّا كان النّبوّة صورة الولاية وكلّ نبىّ له ولاية لا محالة وكذا كلّ ولىّ له خلافة للنّبوّة ، فكلّ من النّبىّ والولىّ يصحّ ان يكون شفيعا ووليّا معا والضّمير في من دونه راجع الى ربّهم (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) عمّا يصرفهم عن ربّهم ، اعلم ، انّ الإنسان فطريّ التّعلّق وكلّما انزجر ممّا تعلّق به من الدّنيا وأهلها طلب التّعلّق بمن يطمئنّ اليه ويسلم له من جهة الآخرة ، وكلّما طلب ذلك التّعلّق والارادة والتّقليد هيّج شياطينه الجنيّة والانسيّة لتحذيره عن هذا الأمر وتخويفه وصدّه فكلّما هيّج الشّوق عزمه للطّلب صدّه الشّياطين عنه وخوفّوه وقيل بالفارسيّة :
تو چو عزم دين كنى با اجتهاد |
|
ديو بانگت بر زند اندر نهاد |
كه مرو زينسو بينديش اى غوى |
|
كه أسير رنج ودرويشى شوى |
سألها أو را ببانگى بنده |
|
كار أو اينست تا تو زنده |
فمعنى الآية على هذا انذر بالقرآن الّذى هو صورة الولاية الّتى أصلها والمتحقّق بها أمير المؤمنين (ع) الّذين يريدون ويطلبون الحضور عند ربّهم الّذى هو علىّ (ع) أو خليفته ويريدون التّعلّق به والتّقليد له بان يحشرهم الشّيخ الدّليل الّذى هو كالنّبىّ بالآداب المسنونة اليه ، ويخافون بتخويفات الشّياطين الانسيّة والجنّيّة عن الحضور لديه والتّعلّق به ، فانّهم بكيد الشّيطان قاعدون وبمحض إنذارك يرتفع كيد الشّيطان فانّ كيده كان ضعيفا ، وانذرهم بأنّه ليس لهم من دونه ولىّ يتولّى أمورهم ولا شفيع يشفع جرائمهم عند الله يعنى انذرهم بانّ ربّهم في الولاية له شأن النّبوّة والشّفاعة وشأن الولاية والتّربية ، فهو حقيق بان يخاف من التولّى عنه ولا يخاف من التّوجّه اليه لعلّهم يتّقون تخويفات الشّياطين ولا يبالون بتهديداتهم ويقطعون سلاسل تهديداتهم ويحضرون عنده كالعاشق الّذى لا يبالي بما قيل فيه وما عرض له (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) في الولاية يعنى ادع الطّالب للدّين ولا تطرد الدّاخل في الدّين بقبول ولاية علىّ (ع) والبيعة الولويّة معه فانّك بعثت لدعوة الخلق اليه لا لطردهم عنه أو لا تطرد عن نفسك الّذين يدعون ربّهم في الولاية (بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) يعنى يدعون ذاته ويريدون الاتّصال بملكوته بعد الاتّصال بملكه ، فانّ الدّعاء قد يستعمل في دعاء الشّيء لأمر أخر من نصرته واعانته وغيرهما وقد يستعمل في دعاء ذات الشّيء طلبا له من غير ارادة امر آخر منه وهذا هو معناه إذا استعمل مطلقا وهو المراد هاهنا لا طلاقه ولقوله بيانا لهذا المرام (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) يعنى لا يريدون من دعاء ربّهم غير وجه الرّبّ ووجه كلّ شيء هو ما به يتوجّه الى شيء آخر ، ولمّا كان الكلّ متوجّها بحسب التّكوين الى الله فما به توجّههم الى الله هو ملكوتهم المثاليّة أو ما فوقها بحسب مرتبة الدّاعى وهذا في المربوب وامّا الرّبّ فلمّا كان متوجّها الى الخلق للتّكميل كان وجهه الى الخلق ما به يتوجّه إليهم وما به يتوجّه الى الخلق هو ملكوته أيضا ، وفي هذا دليل على ما قالت العرفاء العظام من انّ السّالك ينبغي ان يكون دائم الذكّر ، فانّ المراد بالغداة والعشىّ استغراق الازمنة ولذا لم يكتف الله تعالى في الذكّر بالإطلاق بل قيّده بالكثرة في أكثر ما وقع وينبغي ان يكون دائم الفكر ودائم الحضور ، فانّ الفكر والحضور في لسانهم هو التّفكّر في ملكوت الرّبّ والحضور عنده وغاية تلقين الشّيخ الذكّر للمريد ودعاء المريد بالّذكر المأخوذ هي حصول وجه الرّبّ له والى هذا المعنى