هذا ممدوح لكلّ من أراد التّحقيق والخروج عن التّقليد ولا يكون هذا شركا ، وكلّ هذه مروىّ عنهم (ع) لانّ القرآن ذو وجوه والحمل على جملة الوجوه ما لم يؤدّ الى فساد ورد عنهم (ع) هذا ما يقتضيه التّنزيل ، وامّا بحسب التّأويل فنقول : انّ السّالك ما دام يكون في سرب نفسه المظلم ولم يخرج بالولادة الثّانية الى فسحة عالم الملكوت يكون متحيّرا لا يدرى من اين والى اين وفي اين ، ثمّ إذا أدركته العناية الالهيّة وخرج يسيرا من قعر سربه يطرؤ وعليه حالات وأطوار وظلمات وأنوار ومنيرات فربّما يرى أنوارا عجيبة متلوّنة بألوان مختلفة ، وربّما يرى كواكب واقمارا وشموسا ويذهل عن التّفكّر واستعمال المقدّمات فيظنّ في بادي رؤيته كوكبا أو قمرا أو شمسا انّه هو ، فيصيح به جبرئيل العقل ويفيق من محوه وينظر الى افول المرئىّ وتغيّره فيعلم انّه ليس به ، ولا ضير أن يكون حال إبراهيم (ع) في بادي خروجه من سربه حال سائر السّلاك فيحسب في بادي رؤيته الكوكب انّه هو ، ثمّ ينظر بعقله الى زواله وتغيّره فيرى انّه ليس به ولا يلزم منه شرك ولا كفر لانّ تلك الأنوار ظهورات نور الأنوار ، وقد يغلب حكم الظّاهر على المظهر بحيث يظنّ انّ المظهر هو الظّاهر (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) لمّا لم يجد في نفسه داعيا قويّا على التّبرّى ونفى الرّبوبيّة وكان غرضه المماشاة مع القوم بإظهار الإنصاف من نفسه حتّى يدخل في المجادلة الحسنة ، نفى حبّ الآفل عن نفسه كناية خفيّة عن نفى الرّبوبيّة ولذلك لم يؤكّده بشيء من المؤكّدات (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) لمّا قوى الدّاعى لنفى الرّبوبيّة في نفسه ونبّه القوم بالكناية الخفيّة على نفى ربوبيّة مثل هذا كنّى كناية أظهر من الاولى بنسبة الضّلال الى نفسه اوّلا ليكون أقرب الى الإنصاف بالكناية بقوله (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي) ، ونسبة التّمكّن في الضّلال صريحا ثانيا بقوله (لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) واكّد الحكم بمؤكّدات عديدة (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) تذكير الاشارة باعتبار الخبر ولتنزيه الرّبّ عن سمة التّأنيث (فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) بعد ما قوى الدّاعى وتمّ الحجّة نادى القوم صريحا وأظهر التّبرّى ونفى الرّبوبيّة صريحا واكّد الحكم بانّ واسميّة الجملة ثمّ لم يكتف به وأظهر ربوبيّة الله الّذى هو خالق الكلّ بإخلاص الوجه له وصرّح بنفي الإشراك به مؤكّدا فقال : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) خالصا (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) فلا ينبغي لكم ان تحاجّونّى لانّى على هداية وبيّنة وأنتم على عمى وضلالة (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ) كأنّهم كانوا يحاجّونه بالتّخويف من الهتهم وبما أراهم الشّيطان منهم من بعض ما لا يعتاد (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) وحينئذ لا يكون خوفي منهم بل من ربّى (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) فلا أخاف ان يصيبني مكروه من غير علم ربّى به (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) بما أقول لكم من انّ ربّى خالق الهتكم وانّ علمه محيط بالكلّ ولا قدرة ولا علم لآلهتكم كما انّ ربّى له القدرة الكاملة والعلم الكامل (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ) يعنى لا ينبغي لي ان أخاف ما أشركتم به بعد ما بان انّ الشّركاء عاجزون جاهلون وانّ ربّى قادر عالم (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ) يعنى انّ هذا امر عجيب اى تخويفى من العاجز الجاهل مع عدم خوفكم من اشراككم الجاهل العاجز بالعالم القادر (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً)