على المسبّب أو عطف المسبّب على السّبب ، والفؤاد يطلق على القلب اللّحمانىّ وعلى النّفس الانسانيّة وعلى اللّطيفة السيّارة الانسانيّة وعلى القلب الّذى هو مرتبة من مراتب الإنسان وعلى الجهة الرّوحانيّة من الإنسان إذا علمت ذلك ، فاعلم ، انّ روحانيّة الإنسان اى قلبه كبدنه خلق مستوى القامة رأسه من فوق وتقليبه عبارة عن تعلّقه بمشتهيات الحيوان واستقامته عبارة عن تعلّقه بما اقتضته انسانيّة الإنسان ، واستقامة الأبصار عبارة عن ادراك ما يوافق الآخرة من كلّ ما يدركه البصر أو البصيرة ، وتقليبها سبب لادراك مقتضيات الحيوان والاحتجاب عن الاعتبار بالمدركات (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ) اى بما انزل من الآيات أو بالقرآن أو بالنّبىّ (ص) (أَوَّلَ مَرَّةٍ) اى قبل اقتراحهم ، أو اوّل مرّة نزول الآية أو في عالم الّذرّ أو اوّل الدّعوة (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) متعلّق بنذرهم أو بقوله (يَعْمَهُونَ) اى يتردّدون في الضّلال ويتحيّرون ، قرئ نقلّب ونذرهم بالتّكلّم وبالغيبة وقرئ تقلّب مبنيّا للمفعول بتاء التّأنيث.
الجزء الثّامن
(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) ردّ لاقتراحاتهم وردع للرّسول (ص) وللمؤمنين عن ارادة الإتيان بشيء منها فانّهم كما نقل قالوا يا محمّد (ص) كان للأنبياء الماضين آيات ، فقال : اىّ شيء تحبّون منها ان آتيكم به؟ ـ فقالوا : اجعل لنا الصّفا ذهبا ، وابعث لنا بعض موتانا نسألهم عنك ، وأرنا الملائكة يشهدون لك ، أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا ، وسأل المسلمون الرّسول (ص) ان يأتى لهم ، فأراد الرّسول (ص) ان يجيبهم فنزل جبرئيل (ع) وقال : ان سألت أجبت ولكن ان لم يؤمنوا عذّبتهم وان شئت تركتهم حتّى يتوب تائبهم ، فقال رسول الله (ص) بل يتوب تائبهم ، فأنزل الله تعالى (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) (وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى) في رسالتك (وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً) جمع القبيل بمعنى الكفيل أو جمع قبيل هو جمع القبيلة بمعنى الجماعة من النّاس أو هو مصدر بمعنى المعاينة والمقابلة والمعنى انّا لو جمعنا عليهم كلّ آية معاينة ومقابلة لهم ، أو لو جمعنا كلّ شيء من الله والملائكة وغيرهم كفلاء بما بشّروا وانذروا أو جماعات وحمل الجمع على كلّ شيء باعتبار عمومه (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) ردّ لسببيّة الأسباب الظّاهرة للايمان وإثبات بسببيّة المشيّة له وردع للمشركين والمؤمنين من نظرهم الى الواسطة وغفلتهم عن سببيّة المشيّة واقتراحهم وتمنّيهم للآية ، بانّ الوسائط ليست أسبابا ، بل هي مظاهر لمشيّته والسّبب لكلّ مسبّب هو المشيّة ، فلو شاء الله لاتى كلّ نفس هديها من غير واسطة ولو لم يشأ لم تهتد وان كان لها كلّ واسطة (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) أكثر المؤمنين أو المشركين أو الجميع (يَجْهَلُونَ) انّ المشيّة هي السّبب للايمان لا الآية المقترحة والمتمنّاة ، ولذا يقترحون ويتمنّون أو الفعل منسىّ المفعول والمعنى أكثرهم جهلاء (وَكَذلِكَ) اى كما جعلنا لك عدوّا من قومك (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) يعنى لا تحزن على معاداة قومك فانّ سنّتنا على وفق حكمتنا جرت بجعل العدوّ لكلّ نبىّ ليكون تكميلا لهم وإصلاحا لامّتهم وسببا لامتياز المنافق منهم عن الموافق وإظهارا لفضائلهم على السنة حسّادهم ، فانّ فضل المحسود كثيرا يظهر على لسان الحاسد واحتجاجا على طالبي الدّين بمعاداة المعاندين ، فانّ معاند الأنبياء لا يظهر بمعاداته الّا اتّباعه الهوى وارادة الدّنيا وإدباره عن الآخرة ، لانّ الأنبياء لا يعارضون أحدا