أصناف المحسن والمسيء أو من جنس المحسن وجنس المسيء (دَرَجاتٌ) في العلوّ والعالم العلوىّ وفي النّزول والعالم السّفلىّ ، والدّرجة بالضمّ والسّكون وبالتّحريك وكهمزة المرقاة وإذا اعتبر فيها الارتقاء كان تسمية دركات المسيء بالدّرجات من باب التّغليب أو باعتبارها من الأسفل فانّ الأسفل بالنّسبة الى ما فوقه درجة (مِمَّا عَمِلُوا) اى هي عبارة ممّا عملوا على تجسّم الأعمال أو ناشئة ممّا عملوا ، وما موصولة أو موصوفة أو مصدريّة (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) قرئ بالخطاب وبالغيبة والمقصود انّ درجات اعمال العباد ظاهرة عنده وهو غير غافل عنها فيرفع كلّا وينزل بقدر درجات اعماله ودركاتها (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ) جمع بين المتقابلين من صفاته من القهر واللّطف والتّنزيه والتّشبيه وعدا ووعيدا (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) باقتضاء غناه وعدم حاجته لكن يبقيكم مدّة لتستكملوا فيها باقتضاء رحمته (وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) الإتيان بما للاشارة الى كمال قدرته بحيث لو أراد أن يستخلف منكم غير ذوي العقول كان قادرا فضلا عمّن هو من سنخكم وباعدادكم نطفهم ومادّتهم لقبول صورة الإنسان (كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) في زيادة الّذريّة اشارة الى انّ هذا كان مستمرّا (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ) لمّا لم يقتض الشّرط وضع المقدّم صار المقام مظنّة السّؤال عن وقوع المقدّم فأجاب بانّ ما توعدون من مشيّة الاذهاب والاستخلاف واقع (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) له عن الاذهاب (قُلْ) تهديدا لهم (يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) قرئ مكاناتكم حيثما وقع اى حالكونكم ثابتين على مقامكم ومكانكم في الكفر أو مشتملين على غاية تمكّنكم فانّ المكانة كالمكان بمعنى المقام أو من التّمكّن بمعنى الاستطاعة (إِنِّي عامِلٌ) على مرتبتي في التّوحيد والإسلام (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) امّا استفهام علّق الفعل عنه ، أو استفهام منقطع عن سابقه ، أو موصول مفعول لتعلمون وعلى اىّ تقدير فالمقصود بقرينة المقام انّكم سوف تعلمون انّ لنا عاقبة الدّار ولذا علّله بقوله (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) كأنّه قال لانّكم ظالمون ولا عاقبة محمودة للظّالم أو هو من قول الله تعليلا للأمر اى قل لهم ذلك لانّهم ظالمون والظّالم لا يفلح بحجّة (وَجَعَلُوا لِلَّهِ) بيان لظلمهم وعطف باعتبار المعنى اى انّهم ظلموا أو جعلوا لله (مِمَّا ذَرَأَ) اى خلق (مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ) من غير حجّة وسلطان (وَهذا لِشُرَكائِنا) يعنى أصنامهم (فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ) لانّ الوصول الى الله لا يكون الّا إذا كان الصّدور أيضا من الله وليس لهم لطيفة الهيّة تصير سببا لان يكون الصّدور من الله (وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) لما ذكر (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) بتشريك المخلوق للخالق وجعل النّصيب من المخلوق للخالق من غير امر منه ، روى انّهم كانوا يعيّنون شيئا من حرث ونتاج لله ويصرفونه الى الصّبيان والمساكين وشيئا منهما لآلهتهم وينفقونه على سدنتها ويذبحون عندها ، ثمّ ان رأوا ما عيّنوا لله ازكى بدّلوه بما لآلهتهم ، وان رأوا ما لآلهتهم ازكى تركوه لها حبّا لآلهتهم واعتلّوا لذلك بانّ الله غنىّ. اعلم ، انّ في الإنسان لطيفة الهيّة تسمّى عقلا وعقل المعاش طليعة منه وهو المتصرّف والحاكم من الله في وجوده ، ولطيفة شيطانيّة تتصرّف فيه وتحكم عليه والاوّل هو الإله في العالم الصّغير والثّانى هو الشّيطان في العالم الصّغير ، والإنسان واقع بين الحاكمين