والغرض من تكليف الإنسان بالأعمال الشّرعيّة خلاصه من حكومة الشّيطان ودخوله تحت حكومة الله وخلوص حكومته ، فمن أخلص نفسه لقبول حكومة الله فهو مؤمن موحّد ومن أخلص نفسه لحكومة الشّيطان فهو كافر بل هو شيطان مريد ، ومن أشرك بين الحكومتين فهو مشرك موزّع لجملة اعماله ومكاسبه عليهما ، ولمّا كان الله تعالى شأنه أغنى الشّركاء فما كان لشريكه فلا يصل الى الله ، وما كان لله فهو يصل الى شريكه ، لانّ الشّيطان ما دام له حكومة ما في وجود الإنسان فكلّما عمل لله يداخله الشّيطان قبل العمل أو حينه أو بعده من مداخل خفيّة ، حتّى يجعل نفسه شريكا للّطيفة الإلهيّة ، ولمّا كان الله اغنى الشّركاء يترك ما جعل ما بشراكة غيره الى الشّريك فما كان خالصا للشّريك كان له وما كان لله يدعه الله للشّريك ، وفي لفظ ذرأ اشارة الى كمال سفاهتهم حيث جعلوا لله ممّا خلقه نصيبا له والخالق أقوى مالك لمخلوقه (وَكَذلِكَ) اى مثل تزيين جعل النّصيب لله من مخلوقاته (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) وهم الّذين كانوا يرتكبون قتل أولادهم أو وأدهم للعار أو لخوف العلية أو للأصنام وقرئ زيّن مجهولا وقتل بالرّفع وأولادهم بالنّصب وشركاؤهم بالجرّ بناء على توسّط المفعول بين المضاف والمضاف اليه ، وقرئ زيّن مجهولا وقتل بالرّفع وأولادهم بالجرّ وشركاؤهم بالرّفع على ان يكون شركاؤهم فاعل القتل ، وقرئ زيّن معلوما وقتل بالنّصب وأولادهم بالجرّ وشركاؤهم بالرّفع ، وحينئذ يكون فاعل زيّن ضميرا راجعا الى الله وشركاؤهم فاعلا للمصدر أو شركاؤهم فاعل زيّن وفاعل المصدر محذوف يعنى المشركين أو شركاؤهم متنازع فيه لزيّن وللمصدر ، وتعميم القتل والأولاد والشّركاء لما في الكبير والصّغير يناسب كون شركاؤهم فاعلا للمصدر أو متنازعا فيه (لِيُرْدُوهُمْ) ليهلكوهم بالإغواء عن الحيوة الانسانيّة (وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ) ليخلطوا عليهم (دِينَهُمْ) الفطرىّ الّذى كانوا عليه بحسب الفطرة من التّوجّه الى الآخرة والتّوحيد أو طريقتهم الّتى كانوا عليها ، الهيّة كانت أو شيطانيّة حتّى لا يستقيموا على تلك الطّريقة الّتى يسمّونها دينا (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ) تسلية للرّسول (ص) بصرف نظره عن صورة أفعالهم الى السّبب الاصلىّ لها ، حتّى لا يضيق صدره بما فعلوا ولا يتحسّر عليهم (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) تسكين له (ص) عن تعب الدّعوة والاهتمام بمنعهم من شنائع أعمالهم (وَقالُوا) بيان لظلم آخر منهم (هذِهِ) الانعام والحرث (أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) الحجر بتثليث الحاء المنع والحرام (لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ) يعنى من نشاء بالمواضعة الّتى بيننا وفيه تعيير لهم ، بانّ حكمهم ليس الّا بمقتضى اهويتهم كانوا يمنعون غير خدّام الأصنام من أكلها (بِزَعْمِهِمْ) متعلّق بقالوا يعنى قالوه بزعمهم من غير حجّة من الله (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) يعنى البحيرة والسّائبة والوصيلة والحام (وَأَنْعامٌ) عطف على انعام اى قالوا هذه انعام لا ينبغي ان يذكر اسم الله عليها ، أو ابتداء كلام من الله والجملة معطوفة على قالوا اى لهم انعام أو انعام أخر (لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) في الذّبح والنّحر أو لا يحجّون عليها يحرّمون ذكر اسم الله بالتلبية عليها (افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ وَقالُوا) وجه آخر لظلمهم وانحرافهم عن الحقّ واستبدادهم برأيهم من غير حجّة (ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ) قرئ بالتّأنيث والتّذكير مرفوعا ومنصوبا في كلا الحالين ، والتّأنيث باعتبار معنى ما ، وهي الاجنّة ، أو التّاء فيه للمبالغة أو هو مصدر كالعافية (لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) كانوا يحرّمون