واطمأنّوا على ما اعتادوه ، ونسبوا عاداتهم الى الله كما هو شأن عامّة النّاس (وَ) قالوا (اللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ) ردّا لهم في نسبة العادات الى الله (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) ليس المراد بالفحشاء ما يستقبحه العقل والشّرع بحسب الصّورة ، بل المراد ما صدر عن النّفس لغايات نفسانيّة سواء كان صورته صورة ما قرّره الشّرع أو نهى عنه ، فالصّلاة رياء أو لقصد الجاه أو المال أو حفظ مال أو عرض أو دم فاحشة (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) في الخبر انّه لا يزعم أحد انّ الله يأمر بالزّنا وشرب الخمر وشيء من هذه المحارم ، بل هذا في ائمّة الجور ادّعوا انّ الله أمرهم بالايتمام بقوم لم يأمرهم الله بالايتمام بهم ، وهو يؤيّد ما ذكرنا من تفسير الفحشاء وكذا يؤيّده قوله (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) فانّ القسط هو توسّط النّفس في الأفعال والأقوال والأحوال والأخلاق والعقائد بين تفريط النّفس عن الأغراض العقليّة وافراطها فيها بحيث يؤدّى الى ما نهى عنه كالاغراض الدّنيويّة (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) وهذا يؤيّد ما ذكر في الخبر من تفسير الفحشاء ، واقامة الوجه صرفه عن الانحراف الى ما ينبغي ان يتوجّه اليه من قبلته ، وقبلة وجه البدن أشرف بقاع الأرض ، وقبلة وجه النّفس القلب ، وقبلة وجه القلب الرّوح ، وقبلة الرّوح هي الولاية المطلقة ، وقبلة الكلّ هي خليفة الله ، والمسجد أيضا يعمّ المساجد الطّينيّة والمساجد الرّوحانيّة من القلب والرّوح والولاية المطلقة والأيّام المتبرّكة والسّاعات الشّريفة من كلّ يوم ، والمساجد الحقيقيّة البشريّة الّذين هم خلفاء الله في أرضه وبيوته لخلقه وأصل الكلّ هو خليفة الله الأعظم اعنى عليّا (ع) ، وجمع الوجوه بجمع الكثرة مضافا مفيدا للاستغراق والإتيان بكلمة كلّ في جانب المسجد للاشارة الى تعميم الوجه والمسجد وقد فسّر المسجد هاهنا في الخبر بالأئمّة (ع) (وَادْعُوهُ) اى ادعوا ربّى أو ادعوا المسجد وهو عطف على أقيموا كما انّ أقيموا عطف على امر ربّى ليكون مقولا لقل ، أو عطف على امر بتقدير قال ليكون مقولا لقول الله تعالى والمعنى ، ادعوا ربّى أو المسجد بتصفية بيوت قلوبكم عمّا يمنعه من دخولها واستيلائه عليها ثمّ باستدعاء دخوله بالسنّة قالكم وحالكم واستعدادكم ، فانّ قلب المؤمن عرش الرّحمن وبيت الله الّذى اذن ان يرفع كما قيل :
هر كه خواهد همنشينى با خدا |
|
گو نشيند در حضور اوليا |
وكما قيل :
مسجدي كو اندرون اولياست |
|
سجده گاه جمله است آنجا خداست |
لكن لا يدخله الّا بعد تصفيته عمّا لا يليق به تعالى وقد سبق في سورة البقرة عند قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) (الى آخرها) تحقيق للمسجد (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) اى طريق الدّعوة من الأغراض والأهواء خارجين من ارادتكم واختياراتكم كالميّت بين يدي الغسّال مؤتمرين بأمر ؛ موتوا قبل ان تموتوا : فانّه (كَما بَدَأَكُمْ) من غير ارادة منكم واختيار وغرض وهوى (تَعُودُونَ) فمن أراد العود اليه فليخرج من جميع ما ينسب الى نفسه والّا فسيعيده الملائكة الغلاظ كاعادة العبد الجاني الآبق الى مولاه للمؤاخذة ، أو المعنى ادعوه متضرّعين منتظرين للورود عليه مخلصين له الطّاعة والعبادة لانّه كما بدأكم تعودون اليه فيجازيكم على طاعاتكم وعلى اىّ تقدير يكون قوله كما بدأكم تعودون في مقام التّعليل (فَرِيقاً هَدى) جملة حاليّة أو مستأنفة لبيان