حال العباد حين العود كما في الخبر أو مطلقا ترغيبا وتحذيرا (وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) تعليل لحقّيّة الضّلالة والمراد بالشّياطين شياطين الجنّ في تزيين الأهواء والمشتهيات وشياطين الانس في تزيين باطلهم بصورة الحقّ من ائمّة الجور واظلالهم (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) في اتّباع العادات والأهواء واستنباط احكام الله بالآراء والاستبداد بالظّنون المستنبطة من الاقيسة والاستحسانات ، وأخذ احكام الله ممّن لم يؤمروا بالأخذ منهم والايتمام بهم ، والتّحاكم الى من أمر الله ان يكفروا به والعمل بما لم يأخذوا ممّن أمروا ان يأخذوا منه ممّن نصّ الله ورسوله (ع) عليه ، وبالجملة كلّ من لم يكن منصوصا من الله ولا من رسوله (ص) ولا أوصيائه (ع) خصوصا ولا عموما ولا آخذا من المنصوص عليه كذلك فقوله وفعله وحاله كلّها ضلالة ، سواء استبدّ برأيه أو أخذ من غير المنصوص عليه سواء كان ذلك الغير من ائمّة الجور والمستبدّين بالآراء أو من المتقلّدين للعلماء والآباء ، وسواء كان المأخوذ موافقا لصور احكام الله اولا ، وسواء كان من العادات والرسوم أو لا ، ثمّ بعد التّنبيه على وجوب اقامة الوجوه عند كلّ مسجد وإخلاص الدّين لله صرف الخطاب عنه (ص) الى الخلق فقال : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) ما به جمالكم من طهارة الأبدان من الاخباث والاحداث والثّياب الجميلة الطيّبة وتحسين شعور رؤوسكم ولحاكم بالمشط ، وغيره ممّا يتزيّن به من الادهان والخضاب ، ومن الأفعال الحميدة والأقوال الفصيحة المفصحة عن أمور الآخرة ومن محبّة ذوي القربى والعقائد الصّحيحة ، ومن الأحوال والأخلاق الجميلة والمكاشفات الصّحيحة والمشاهدات القلبيّة والمعاينات الرّوحيّة (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) وقد سبق بيان المسجد ووجه دخول لفظ العموم عليه وانّ أصل الكلّ هو خليفة الله في الأرض ، وقد فسّر الزّينة والمسجد في هذه الآية وفي غيرها بما ذكرنا من أراد الاطّلاع على ما ورد عن المعصومين (ع) فليرجع الى الكافي والصّافى وغيرهما (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) فانّ التّزيّن والاكل والشّرب مباحة لكم ولا تنافي اقامة الوجوه عند المساجد بل تقويكم على ذلك ، ولا يخفى تعميم الاكل والشّرب كالزّينة (وَ) لكن (لا تُسْرِفُوا) بالإفراط في التّزيّن بحيث يمنعكم من اقامة الوجوه لاشتغال نفوسكم بتحصيلها وتحصيل ثمنها وحفظها عن التدنّس وبالإفراط في الاكل والشّرب وفي طيبوبة المأكول والمشروب لتضرّركم بالزّيادة على قدر اشتهائكم في أبدانكم ونفوسكم وكسالتكم واشتغالكم (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) في اىّ شيء كان لانّ الإسراف يجرى في جملة الأفعال والأقوال والأحوال ، كما ورد في جواب من قال : أفي الوضوء إسراف؟ ـ من قوله (ع) : نعم في الوضوء إسراف ولو كنت على نهر ، فانّ استعمال القوى والأعضاء في كلّ فعل زائدا على تحصيل حقيقة ذلك الفعل واجبا كان أم مندوبا أم مباحا وزائدا على تحصيل كمالاته إسراف ، هذا بحسب التّنزيل ، وامّا بحسب التّأويل والباطن فالإسراف في الاكل والشّرب واللّبس بانّه يكون كلّ منها بغلبة النّفس على العقل والغفلة عن الأمر والنّهى ، فانّه إسراف استحصال النّفس في مشتهياتها حتّى تصير غالبة على العقل والأمر الالهىّ (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) كأنّهم كانوا يعدّون ترك التّزيّن وترك الطّيّب من المأكول والمشروب من لوازم العبادة وطلب الآخرة ، فأمرهم اوّلا بالتّزيّن والاكل والشّرب ، وثانيا بإنكار تحريمه تأكيدا ، والتّوصيف بالإخراج لعباده اشارة الى انّ الزّينة اوّلا وبالّذات لمن صار عبدا له ، ولغيره بتبعيّته لا انّه حرام