المستحبّة لنفسه وعياله وأقاربه وجيرانه ، ولذلك ورد عن رسول الله (ص) ليس البخيل من ادّى الزّكاة المفروضة من ماله واعطى البائنة في قومه انّما البخيل حقّ البخيل من لم يؤدّ الزّكاة المفروضة من ماله ولم يعط البائنة في قومه وهو يبذّر فيما سوى ذلك ، وانّما سمّى المال المنفق بالبائنة لانّه كلّما ينسب الى الإنسان حتّى وجوده من شأنه البينونة والمفارقة عنه الّا وجه الله الباقي فانّه ان كان من اعراض الدّنيا فهو بائن في نفسه وتبين وتنقطع نسبته أيضا عن الإنسان بالموت أو بالانتقالات الشّرعيّة أو بصروف الدّهر ، وان كان من قبيل القوى والجوارح والاعراض والجاه فهو أيضا يبين عن الإنسان بالموت الاختيارىّ أو الاضطرارىّ أو بالحوادث الطّارئة.
فان تكن الأموال للتّرك جمعها |
|
فما بال متروك به المرء يبخل |
اعلم انّ السخاء فريضة متوسّطة بين طرفي الإفراط والتّفريط اللّذين هما التّبذير والتّقتير ، وللتّقتير مراتب عديدة بعضها يسمّى بخلا وهو إمساك ما في يد الإنسان وعدم قدرته على صرفه في الوجوه المفروضة والمندوبة والمباحة ، وبعضها يسمّى شحّا وهو إمساك ما في يده وتمنّى ان يكون ما في يد غيره في يده كما ورد عن الصّادق (ع): انّ البخيل بخيل بما في يده والشّحيح يشحّ بما في أيدى النّاس ، وعلى ما في يديه حتّى لا يرى في أيدي النّاس شيئا الّا تمنّى ان يكون له بالحلّ والحرام ولا يقنع بما رزقه الله ، وللتّبذير أيضا مراتب ولمّا كان الظّاهر من الإنسان من أفعاله وأقواله وأخلاقه وأحواله من المتشابهات الّتى لا يعلم تأويلها الّا الله والرّاسخون في العلم كان التّميز بين السّخاء والتّبذير والتّقتير وبين مراتبها بحسب المعرفة وتشخيص جزئيّاتها الصّادرة عن الإنسان في غاية الخفاء حتّى على نفس الفاعل وان كانت بحسب العلم وكلّيّاتها جليّة قد فصّلها علماء الأخلاق وبيّنوها بمراتبها فانّ الإنفاق بحسب قصد المنفق والغاية المترتّبة عليه والوجه المصروف فيه والشّخص الموصول اليه يختلف حاله واسمه ؛ فربّ إمساك كان خيرا من الإنفاق الحسن وربّ إنفاق كان وبالا على المنفق ، ونعم ما قال المولوىّ قدسسره :
منفق وممسك محل بين به بود |
|
چون محل باشد مؤثّر مى شود |
اى بسا إمساك كز إنفاق به |
|
مال حقّ را جز بأمر حقّ مده |
مال را كز بهر حق باشى حمول |
|
نعم مال صالح گفت آن رسول |
ولمّا كان أصل كلّ ما ينسب الى الإنسان انانيّته الّتى هي نسبة الوجود الى نفسه ، وأصل كلّ الانفاقات وغايتها وعلّتها الغائيّة الإنفاق من الانانيّة ، وأصل جميع ما ينفق عليه الولاية فمن أنفق انانيّته في طريق الولاية بان يسلّمها لولىّ امره بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة فان أنفق من سائر ما ينسب اليه من حيث انتسابه الى الولاية على نفسه وعلى من تحت يده وعلى غيره بطريق الفرض أو النّدب أو الاباحة كان إنفاقه سخاء ، وان أمسك من هذه الجهة كان إمساكه ممدوحا ولم يكن بخلا ، ومن بخل بانانيّته ولم ينفقها في طريق الولاية فان أمسك كان إمساكه بخلا وان أنفق كان إنفاقه تبذيرا الّا إذا كان الإمساك أو الإنفاق في طلب الولاية فانّهما حينئذ يخرجان من اسم البخل والتّبذير فعلى هذا صحّ ان يقال : انّ المختالين الّذين يبخلون بصرف انانيّاتهم في طريق ولاية علىّ (ع) (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) والامتناع من صرف انانيّاتهم في طريق الولاية يعنى الّذين يعرضون عن الولاية ويصدّون النّاس عنها ، وصحّ ان يقال انّ الآية تعريض برؤساء منافقي الامّة حيث كانوا يعرضون بعد محمّد (ص) عن علىّ (ع) ويمنعون النّاس عن الرّجوع اليه (وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) يعنى يعتذرون عن امساكهم بانّه ليس لهم ما ينفقون ويكتمون ما كان لهم من النّعم الظّاهره والباطنة