إلينا ولا يذكرنا بعطيّة (كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) وكما كانوا (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ) اى كتاب النّبوّة (فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ) متعلّق بجئنا أو بفصّلناه أو متنازع فيه لهما على أخذ مثل معنى الإيراد في المجيء والتّفصيل اى أوردناه على علمهم بحقّيّة الكتاب أو الرّسول (ص) ، أو هو حال عن فاعل جئنا أو فصّلنا أو عن مفعول جئناهم أو عن كتاب (هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بالايمان العامّ لتوجّهم الى وجهة القلب وتهيّؤهم لقبول الولاية التّكليفيّة أو بالايمان الخاصّ لكونهم على الطّريق وإنارة كتاب النّبوّة الّذى كان الكتاب التّدوينىّ صورته طريقهم فيسرعون في السّير أو المراد بكتاب فصّلناه مكتوب مفروض عظيم وهو الولاية الّتى هي غاية النّبوّة ، لانّ جميع النّبوّات والكتب التّدوينيّة لتنبيه الخلق عليها واعدادهم لقبولها ولذلك جاء به مفردا منكّرا مشيرا الى عظمته (هَلْ يَنْظُرُونَ) ما ينظرون (إِلَّا تَأْوِيلَهُ) ما يئول الكتاب اليه أو تأويلنا وارجاعنا ذلك الكتاب الى حقيقته الّتى هي مقام الولاية الّتى هي روحه وأصله ومرجعه (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ) ضمير المفعول راجع الى دينهم أو الى لقاء يومهم هذا أو الى كتاب فصّلناه أو الى تأويله ومآل الكلّ واحد والمعنى يقول الّذين نسوا حقيقة الدّين أو الكتاب يعنى تركوها مع الاستشعار بها ، فانّ النّسيان قد يستعمل في التّرك ، أو غفلوا عنها بعد الاستشعار والتّذكّر بها أو لم يستشعروا بها ولم يتذكّروا بها فانّها كانت معلومة مشهودة وبعد تنزّل الإنسان الى هذا البنيان صارت منسيّة وجميع الشّرائع والعبادات والرّياضات لان يتذكّروا ما نسوه من حقيقة الدّين واتّخذوا صورته للأغراض الدّنيويّة (مِنْ قَبْلُ) من قبل إتيان التّأويل تحسّرا وإقرارا بحقّيّته (قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) وبالولاية الّتى كانت حقّا أو بالرّسالة الحقّة وقد أعرضنا عنه ظلما على أنفسنا (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ) اليوم (فَيَشْفَعُوا لَنا) عند ربّنا في الولاية الّذى هو ولىّ أمرنا أو عند ربّ الأرباب (أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بصرف دينهم الّذى هو أعظم بضاعة لهم في الأغراض الفانية (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) اشراكه بالله وشفاعته عند الله من الأصنام والكواكب ورؤساء الضّلالة ، والمنظور هو العجل وسامريّة ووجه ضلال مفترياتهم انّهم كانوا ينظرون إليها من حيث حدودها وتعيّناتها ، لانّهم كانوا جعلوها مسمّيات ويفنى كلّ شيء حينئذ من حيث الحدود من حيث كونه مسمّى لفناء التعيّنات والحدود حين ظهور الولاية الّتى هي الوحدة الحقّة الظّليّة كما سبق (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) اعلم ، انّ فعل الله تعالى لا يتقيّد بالزّمان وقد قالوا : انّ الأفعال المنسوبة الى الله منسلخة عن الزّمان فانّ المحيط كما لا يحاط ذاته بالزّمان لا يحاط فعله بالزّمان ، وانّ ايّام الله محيطة بالايّام الزّمانيّة ومقادير ايّام الله متفاوتة بحسب تفاوت مراتب فعله فقد تتقدّر بألف سنة وقد تتقدّر بخمسين الف سنة ، وانّ السّماوات في عرف أهل الله عبارة عن عوالم الأرواح المجرّدة عن المادّة وعن التّقدّر ، والأرض عبارة عن عوالم الأشباح مادّيّة كانت أو مجرّدة عن المادّة كعالمى المثال ومنها سماوات عالم الطّبع لتقدّرها وتعلّقها بالمادّة ، وانّ مراتب الممكنات الّتى هي مخلوقات الله وفيها تتحقّق السّماوات والأرض بوجه ستّ وبوجه ثلاث صائرة بحسب النّزول والصّعود ستّا وهي مرتبة المقرّبين المهيمين الّذين هم قيام لا ينظرون ، ومرتبة الصّافّات صفّا ويعبّر عن الصّنفين بالعقول الطّوليّة والعقول العرضيّة المسمّاة