بأرباب الأنواع في لسان حكماء الفرس ، ومرتبة المدبّرات امرا ومرتبة الرّكّع والسّجّد ، ومرتبة المتقدّرات المجرّدة عن المادّة ، ومرتبة المادّيّات وخلقة السّماوات والأرض وتماميّتها في تلك المراتب السّتّ ، وإذا أريد بالسّماوات والأرض سماوات عالم الطّبع وأرضه فخلقتها بوجودها الطّبيعىّ وان كانت في عالم الطّبع لكنّها بوجودها العلمىّ موجودة في المراتب العالية عليه وهذه هي الايّام الستّة الرّبوبيّة الّتى خلقت السّماوات والأرض فيها ، وتلك المراتب مع المشيّة الّتى هي عرش الرّحمن بوجه وكرسيّه بوجه تصير سبعا نزولا ، وباعتبار صعودها تصير مثاني وهذه هي السّبع المثاني الّتى أعطاها الله محمّدا (ص) ، ولمّا كان المتحقّق بتلك المراتب نزولا وصعودا منحصرا في الائمّة (ع) ، لانّهم المتحقّقون بها على الإطلاق وغيرهم متحقّقون بها بتحقّقهم قالوا : نحن السّبع المثاني الّتى أعطاها محمّدا (ص) بطريق الحصر ، ثمّ لمّا كان عرش الرّحمن الّذى هو المشيّة الّتى هي الحقّ المخلوق به إضافته الاشراقيّة المأخوذة لا بشرط وكان بهذا الاعتبار متّحدا مع جميع الأشياء ، بل كان حقيقة كلّ ذي حقيقة وكان باعتبار كونه اضافة ومأخوذا لا بشرط لا تحقّق له الّا بتحقّق جميع ما ينضاف اليه ولا يتمّ الّا بما ينضاف اليه ، قال بعد ذكر خلق السّماوات والأرض الّتى هي جملة الأشياء (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) معطوفا بكلمة التّراخى ، لانّ الاستواء في العرف هو الجلوس على العرش ولا يتمّ هذا المعنى الّا بتماميّة العرش وليس تماميّة العرش الّا بتماميّة السّماوات والأرض ، ولذا فسّروا الاستواء لنا باستواء نسبته الى الجليل والدّقيق ، ولمّا كانت المشيّة إضافته الحقيقيّة الى الأشياء كانت ذات جهتين جهة الى المضاف وجهة الى المضاف اليه ، وباعتبار جهتها الى المضاف تسمّى عرشا ولذا يطلق عليها هذا الاسم حين تنسب الى الله ، وباعتبار جهتها الى المضاف اليه تسمّى كرسيّا ولذا يطلق عليها هذا الاسم حين تنسب الى الأشياء وسع كرسيّه السّماوات والأرض ، وورد ان جميع الأشياء في الكرسىّ والكرسىّ في العرش ، ووجه كون الكرسىّ في العرش انّ الجهة المنسوبة الى المضاف محيطة بالجهة المنسوبة الى المضاف اليه ، وقد يسمّى عقل الكلّ بالعرش ونفس الكلّ بالكرسىّ لكونهما مظهري الجهتين ، وقد يسمّى الفلك المحيط عرشا والفلك المكوكب كرسيّا لكونهما مظهري هذين المظهرين (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) يغطّى بليل الزّمان نهار الزّمان ، وبليل عالم الطّبع نهار عالم الأرواح ، وبليل الملكوت السّفلىّ نهار الملكوت العليا ، وبليل طبع الإنسان نهار روحه ، وبليل جهله نهار علمه ، وبليل شهواته وسخطاته نهار رغباته ومرضاته ، وبليل رذائله نهار خصائله ، وبليل اسقامه نهار صحّته ، وبليل ضعفه نهار قوّته وهكذا (يَطْلُبُهُ) يتعقّبه كالطّالب له (حَثِيثاً) وفي استعمال الطّلب والحثّ هناك دليل على التّعميم وكان المناسب ان يقول : ويكشف النّهار اللّيل أو يغشى النّهار اللّيل ، ولكنّه تعالى تركه اشارة الى اصالة النّهار وعرضيّة اللّيل ولو قال ذلك لأوهم اصالتها وانّ تقابلهما تقابل الوجوديّين (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) قرئ بنصب الشّمس والقمر والنّجوم ومسخّرات ، وقرئ برفعها فهي معطوفة على السّماوات على قراءة النّصب فيها ، أو على خلق بتقدير جعل ، أو على يغشى بتقدير يجعل وعلى قراءة الرّفع فيها فهي مبتدء وخبر (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) فذلكة لما سبق ولذا أتى بأداة التّنبيه فانّه لمّا ذكر انّه خالق سماوات الأرواح وأراضي الأشباح وانّه المستوى القاهر على العرش الّذى هو جملة عالمي الأمر والخلق ، ثمّ ذكر تدبيره للعوالم باغشاء اللّيل النّهار على وفق حكمته البالغة ، فانّه بهذا الاغشاء يتمّ تربية المواليد ولا سيّما غايتها الّتى هي الإنسان ، فانّ الإنسان بقالبه وقلبه تستكمل بتضادّ اللّيل والنّهار وتعاقبهما بجميع معانيهما وتسخير الشّمس