الكبير يجرى في أهل العالم الصّغير من غير فرق ، ومعاني الإشراك غير الثّلاثة الاول وغير المعنى الأخير يجوز اعتبارها هاهنا ان كان المراد انّ آدم وحوّاء حقيقة جعلا له شركاء كما في الخبر وانّما شركهما شرك طاعة وليسشرك عبادة ، وفي حديث : جعلا للحارث نصيبا في خلق الله ويناسب الشّرك في المحبّة بأحد معانيه وقوله تعالى : (شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) يناسب هذا الشّرك والشّرك في الطّاعة ، وان كان المراد انّ أولاد آدم (ع) جعلوا له شركاء فيما آتاهم والنّسبة الى آدم (ع) وحوّاء كانت مجازا كما في الخبر ، ويؤيّده قوله تعالى (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) بصيغة المجمع أمكن اعتبار جميع أقسام الشّرك ونسبة الشّرك الى أولادهما امّا بطريق المجاز في الحذف بان يكون فاعل جعلا أولادهما ، لكنّه حذف وأقيم المضاف اليه مقامه أو بطريق المجاز في الحكم بان يكون المحكوم عليه الأولاد لكنّه نسب إليهما باعتبار انّ الاتباع والأولاد كالاجزاء أو النّسبة الى الأولاد باعتبار ان يراد الجنس من لفظ صالحا وحينئذ يشمل الذكّور والإناث ، وضمير جعلا يرجع الى صالحا باعتبار الصّنفين كما في الخبر ، ولمّا علم من السّابق انّ الله خالق والخالق لا يساوى المخلوق أتى بالفاء الدّالّ على التّسبيب والتّفريع فقال (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) عن الّذى يشركونه أو عن اشراكهم (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) توبيخ بوجه آخر فانّ الاوّل باعتبار انّ الخالق المنعم شأنه ان يوحّد ولا ينظر معه الى غيره من غير اعتبار وصف للشّريك وهذا باعتبار انّ ما لا يخلق بل هو مخلوق لا ينبغي ان يجعل شريكا للخالق (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ) ذكر أوصافه مترتّبة في الّذمّ من الاخسّ فالاخسّ كما هو طريقة المبالغة في الذّمّ وعلى هذا فمعنى ان تدعوهم الى الهدى الى ان تهدوهم أنتم فضلا عن انّهم يهدونكم (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) يعنى ما يجعل شريكا للخالق ينبغي ان يكون خالقا فان لم يكن خالقا فلا اقلّ من ان يكون مخلوقا فان كان مخلوقا فلا اقلّ من ان يكون ناصرا لعابديهم ، فان لم ينصروا عابديهم فلينصروا أنفسهم فان لم ينصروا أنفسهم فليتّبعوكم في الدّعوة الى الهدى فان لم يتّبعوكم فليميّزوا بين الدّاعى وغيره ، فان انتفى ذلك كلّه فليس اشراكه الّا محض حمق المشرك وسفاهته (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) والمعبود لا اقلّ من ان لا يكون عبدا (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) ولا اقلّ من السّماع والاستجابة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) ولا اقلّ من ان يمشى مثلكم (أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ) بعد إتمام التّوبيخ والتّفضيح تحدّيا (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) فانّى لا أبالي بكم وبشركائكم بعد غاية ضعفكم وضعف شركائكم وقوّة ربّى وحفظه ونصرته (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) في موضع التّعليل والمراد بالكتاب كما عرفت الكتاب المعهود المعروف وهو كتاب النّبوّة والقرآن صورته (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) لمّا كان التّحدّى باعتبار قوّة الله وضعف الشّركاء علّله بهما فقوله الّذين تدعون من دونه عطف على مدخول ان (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) والتّكرار باعتبار التّعليل ومطلوبيّة التّكرار في مقام المبالغة في الّذمّ (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) صرف الخطاب منهم الى محمّد (ص) اشعارا بانّهم بعد ما ظهر وقاحتهم