وسفاهتهم لا ينبغي التّخاطب معهم (وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ خُذِ الْعَفْوَ) شبّه العفو بالوحشىّ الشّارد لتعسّر الاتّصاف به ثمّ استعمل الأخذ فيها استعارة تخييلية وترشيحا لها والمراد منه اعمّ من الصّفح فانّهما كالفقراء والمساكين إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) ولمّا لم يكن النّظر الى خصوص المعفوّ عنه والمأمور بالمعروف أسقط المفعول بخلاف الاعراض فانّه مختصّ بالجاهل ولذا قيّده فقال (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) وقد فسّر العفو في الخبر بالميسور من الأفعال والأخلاق وبالوسط من الأموال وهو من سعة وجوه القرآن ، اعلم انّ هذه الثّلاث أمّهات أخلاق المعاشرة ونتائج أمّهات الأخلاق الجميلة النّفسيّة فانّ المعاشرة امّا معاند مسيء ، وامّا محبّ مقبل ، وامّا جاهل غير معاند وغير مقبل ، وجميع آداب حسن المعاشرة مع المعاند مطويّة في ترك مقابلة إساءته بالانتقام وهو العفو وتخلية القلب من تذكّر سوء صنيعته وهو الصّفح وهما من نتائج الشّجاعة والعفّة والحكمة الّتى هي من أمّهات الخصائل ، فانّ الجبان لا يمكنه ترك الانتقام وان منع جبنه عن الانتقام فلا يمكنه الصّفح ، والمتهوّر لا يترك الانتقام البتّة والعفيف يمنعه عفّته عن مطاوعة النّفس بخلاف الشّره ، والحكيم يرى انّ في ترك الانتقام راحة في العاجل ودرجة في الآجل وكسرا لسورة عناد المعاند وجذبا للمحبّة والعدالة الّتى هي احدى أمّهات الخصائل أيضا تقتضي ذلك ، فانّ إجمال العدالة إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه وحقّ النّفس مطاوعتها للعقل وحقّ المسيء إصلاحه حتّى يترك الاساءة لا انتقامه حتّى يزيد في الاساءة ، وآداب المعاشرة مع المقبل المحبّ مطويّة في ارادة خيره في كلّ حال وارادة خيره بان لا يتركه ونفسه بل يعرّفه معروفه ويأمره به وهو من نتائج الحكمة والعدالة ، وآداب المعاشرة مع الجاهل الغير القابل للخير عدم معارضته وترك محادثته بخيره وهو من نتائج الحكمة والعدالة أيضا وفي الخبر : امر الله نبيّه بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية اجمع لمكارم الأخلاق منها (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) ان يغريك أو يوسوسك من الشّيطان مغر أو موسوس أو إغراء أو وسوسة حتّى تحرّكك على انتقام المسيء وترك نصح المحبّ ومعارضة الجاهل (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ) لاستعاذتك أو لنزغ الشّيطان وان كان خفيّا في القلب (عَلِيمٌ) بعاقبة ما يأمرك به أو بكيفيّة دفع نزغ الشّيطان (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا) أرادوا التّقوى من نزغ الشّيطان أو اتّقوا موالاة الشّيطان أو اتّقوا تقوى حقيقيّة حاصلة بولاية علىّ (ع) والبيعة الخاصّة الولويّة وعلى اىّ معنى فهو في موضع تعليل للأمر بالاستعاذة (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ) خطرة ووسوسة لانّ الإنسان قلّما ينفكّ منها فكأنّها طائفة بهم ودائرة معهم أو طائف وشيطان من قبل إبليس الابالسة أو خيال من الطّيف بمعنى الخيال (مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا) أوامره تعالى ونواهيه ، أو تذكّروا سوء عاقبة الطّائف ، أو تذكّروا بالّذكر المأخوذ من ولىّ أمرهم ، أو تذكّروا بالفكر الحاصل من الذّكر المأخوذ الّذى هو مثال شيخة (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) سوء عاقبة الطّائف أو انّ الطّائف من الشّيطان أو جذب الطّائف الى السّفل السّجّين أو انّه شيطان يوسوسه من قبل إبليس (وَإِخْوانُهُمْ) اى والحال انّ اخوان الّذين اتّقوا أو اخوان الشّياطين من الانس (يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) من المدّ بمعنى الجذب أو من المدد وقرئ يمدّونهم من الأمداد يعنى يغرونهم على مخالفة الأمر والمقصود الاشارة الى قوّة التّذكّر بحيث يمنع صاحبه من الغىّ وان كان شيطان الجنّ يغويه وشياطين الانس تجذبه أو تعينه في غيّه (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) لا يمسكون من الجذب أو الأمداد (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ) من مقترحاتهم أو بآية من