من ان يقتل ، لانّ أنبياء بنى إسرائيل إذا وجّهوا عسكرا الى قتال الأعداء وعيّنوا جمعا للامارة هكذا قتلوا جميعا ، فتوجّه زيد مع العسكر الى المقصد وبعد المقابلة مع الأعداء والمقاتلة قتل الّذين سمّاهم الرّسول (ص) للامارة ، وروى انّه ما أفلت من أهل الإسلام الّا قليل ، وروى انّ كثيرا منهم بقوا وغيّروا بعد يوم المقاتلة أوضاعهم فتوهّم شرحيل وظنّ وصول المدد الى أهل الإسلام وارتحل وصار متحصّنا ، ورجع أهل الإسلام سالمين الى المدينة ، وكان ذلك في العام الثّامن من الهجرة وفي هذا العام كان فتح مكّة وغزوة حنين مع بنى هوازن ، ثمّ لمّا دخل العام التّاسع من الهجرة ورد عير الشّام المدينة وأشاعوا فيها انّ سلطان الرّوم جمع الجنود يريد غزو المدينة ، وانّ هرقل قد سار بجنود عظيمة وجلب معهم غسّان وجذام وبهراء وقد قدّم عساكره البلقاء ونزل هو حمص ، فأمر رسول الله (ص) أصحابه بالتهيّؤ الى تبوك وهي من بلاد البلقاء ، وبعث الى القبائل حوله والى مكّة والى كلّ من أسلم وحثّهم على الجهاد وامر أهل الجدة ان يعينوا من لا قوّة له على الخروج ، روى انّ أبا بكر عرض جميع أمواله ، وانّ عمر بذل نصف أمواله ، وانّ عثمان جهّز مائتي إبل ، وقيل : ثلاثمائة إبل ، وبذل ألف دينار وعبد الرّحمن بن عوف بذل أربعين وقّية من الذّهب وأربعة آلاف درهم ، وهكذا بذل كلّ بقدر همّته وسعته وبلغ عسكره (ص) الى ثلاثين ألفا ، وقيل : الى أربعين ألفا ، ولمّا كانت تلك الغزوة صعبة لبعد السّفر وشدّة القيظ وكثرة جنود الأعداء تقاعد بعض عن الحركة والغزو فنزل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا) (الآيات) ، وسار الرّسول (ص) بالعسكر في غاية المحنة والمشقّة في شدّة حرارة الهواء وقلّة الماء حتّى نزل بعين تبوك وكانت عينه قليلة الماء فغسل (ص) يده ووجهه بمائها فنبع الماء منها بحيث أخذ جميع العسكر منه باعجازه (ص) ومكث (ص) في ذلك الموضع عدّة ايّام ، فصحّ عنده (ص) انّ خبر خروج عسكر الرّوم كان كذبا فشاور الاصحاب في الرّجوع ورجع من هناك ، وبعث (ص) خالد بن الوليد مع اربعمائة وعشرين فارسا ليغير على دومة الجندل ، وبعد وصولهم الى نواحي دومة الجندل في اللّيل وجدوا اكيد رحاكمها مع أخيه حسّان ومعدود من خدمه في طلب الصّيد فقاتلوهم وقتلوا حسّانا وأسروا أكيدر وانهزم قليل منهم ، ودخلوا الحصار وتحصّنوا مع أخيه الاخر مصاد فقال الخالد لأكيدر : لا أقتلك وأذهب بك الى رسول الله (ص) ان أمرت أخاك وأهل القلعة ان يفتحوا باب الحصار ويسلّموا إلينا الف إبل وسبعمائة برد واربعمائة سنان واشترط لك ان آخذ حكومة دومة الجندل لك من رسول الله (ص) ، فقبل أكيدر وصالح وأرسل الى أخيه مصاد ان : افتح باب الحصار وهيّئ مال الصّلح ، وبعد أخذ مال الصّلح رجع خالد ومعه أكيدر وأخوه مصاد ودخلوا المدينة سالمين غانمين (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا) استفهام توبيخ (مِنَ الْآخِرَةِ) بدل الآخرة (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) الفاء للسّببيّة باعتبار انكار الرّضا بالحيوة الدّنيا (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) بعد إهلاككم تهديد ووعيد بعد توبيخ وتقريع (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) بهلاككم أو بتقاعدكم أو بمكركم وهو إظهار للغنى عنهم وعدم الحاجة إليهم ، والضّمير المفعول امّا لله أو للرّسول (ص) بقرينة المقام ولتوافق ضمير ان لا تنصروه (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يقدر على نصرة رسوله بدون امدادكم وعلى إهلاككم واستبدالكم قوما غيركم (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) تذكير لهم بنصرته له (ص) حين لم يكن له معاون حتّى يتحقّق عندهم نصرته بدونهم استمالة لقلوبهم (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) حين شاوروا في امره بالاجلاء والحبس