والقتل في دار النّدوة كما سبق (ثانِيَ اثْنَيْنِ) يعنى لم يكن معه الّا رجل واحد وهو ابو بكر (إِذْ هُما فِي الْغارِ) غار ثور وهو جبل في يمنى مكّة على مسيرة ساعة (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ) والإتيان بالمضارع للاشارة الى انّه كرّر هذا القول لعدم سكونه عن اضطرابه (إِنَّ اللهَ مَعَنا) ومن كان الله معه لا يغلب فلا تحزن من اطّلاع الأعداء وغلبتهم ، روى عن الباقر (ع) انّ رسول الله (ص) اقبل يقول لأبي بكر في الغار : اسكن فانّ الله معنا وقد أخذته الرّعدة وهو لا يسكن فلمّا رأى رسول الله (ص) حاله قال له : أتريد ان أريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدّثون؟ وأريك جعفرا وأصحابه في البحر يغوصون؟ ـ قال : نعم فمسح رسول الله (ص) بيده على وجهه فنظر الى الأنصار يتحدّثون ، والى جعفر وأصحابه في البحر يغوصون ، فأضمر تلك السّاعة انّه ساحر (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) السّكينة كما في الخبر ريح تفوح من الجنّة لها وجه كوجه الإنسان ، وهي كما مضى قبيل هذا وفي سورة البقرة على ما حقّقها الصّوفيّة صورة ملكوتيّة ملكيّة الهيّة تظهر بصورة احبّ الأشياء على صدر السّالك الى الله وأحبّ الأشياء الى السّالك هو شيخة المرشد ووليّه القائد ، وتسمّى عندهم بالسّكينة والفكر والحضور وهي السّلطان النّصير والطمأنينة وإليها أشير بقوله تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) ، وهي النّور في قوله (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، وبها يحصل معرفة علىّ (ع) بالنّورانيّة ، وهي ظهور القائم عجّل الله فرجه في العالم الصّغير وبها استنارة سماوات روحه وأراضي نفسه وطبعه كما قال تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) ، وهي الاسم الأعظم والكلمة الّتى هي أتمّ ، وهي حقيقة الرّحمة والهدى والفتح والنّصرة والصّراط المستقيم والطّريق القويم والسّبيل الى الله والفوز والنّجاح ، وغير ذلك من الأسماء الحسنى الّتى لا حدّ لها وأشير إليها في الآيات والاخبار ، ولذلك كان تمام اهتمام المشايخ في تلقين الذكّر الخفىّ القلبىّ أو الجلىّ اللّسانىّ بتحصيل هذا المقام للسّلّاك وكانوا يأمرونهم بالفكر الّذى هو هذا تعمّلا حتّى تظهر وتنزل تلك السّكينة من غير تعمّل ورويّة ، ولا مقام لبشريّة الإنسان نبيّا كان أو وليّا أو تابعا لهما أشرف من هذا المقام كما قال في مقام الامتنان في هذه السّورة : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) في غزوة حنين الّتى كانت في الثّامن من الهجرة وحين كمال النّبوّة وتبليغ الرّسالة ، إذا عرفت هذا فاعلم ، انّ العامّة جعلوا هذه الآية دالّه على فضيلة أبى بكر حيث كان اوّل من هاجر وذكر بمصاحبته للرّسول (ص) ولا دلالة في الآية على فضيلة له ان لم يكن دلالة على ذمّه ، فانّ الصّحابة البشريّة قد كانت للمشركين والكفّار والمنافقين المرتدّين بل الفضيلة في الصّحابة الملكوتيّة الّتى هي ظهور ملكوت الصّاحب على ملكوت الصّاحب ، وفي الآية دلالة على عدمها حيث خاطبه (ص) ، بلا تحزن ، فانّ الصّحابة الملكوتيّة مانعة من الحزن باعثة على السّكون والوقار ، وأيضا هي دالّة على عدم حصولها له بعد هذا الخطاب حيث أفرد الضّمير المجرور فهو امّا راجع الى النّبىّ (ص) أو الى ابى بكر ، ورجوعه الى ابى بكر وان كان يتراءى انّه مناسب لاضطرابه ورعدته لكنّه يستلزم تفكيك الضّمير في قوله وايّده بجنود ويستلزم امّا عدم نزول السّكينة على النّبىّ (ص) وهو مستلزم لافضليّة ابى بكر أو عدم الاعتناء بذكر النّبىّ (ص) وهو أيضا كذلك أو عدم الحاجة الى ذكره وليس به ، لانّ الحاجة في مقام إظهار النّعمة على الأحباب ماسّة الى ذكر مثل هذه النّعمة العظيمة الّتى لا نعمة أعظم منها في مقام البشريّة كما سبق من ذكره (ص) بهذه النّعمة بعد الثّامن من الهجرة وكمال النّبوّة ، ولو سلّم صحّة رجوعه الى ابى بكر