كانت الآية من المتشابهات الّتى لا يستدلّ بها على منقبة تثبت بها الامامة ؛ هذا إذا كان عطفا على أخرجه ، وامّا إذا كان عطفا على قد نصره الله من قبيل عطف التّفصيل على الإجمال فلا يحتمل عود الضّمير الى ابى بكر (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) اى لم تقووا على رؤيتها ان كان المراد بالجنود السّكينة ومحافظة الملائكة في الغار وإغماء الكفّار عنه بنسج العنكبوت وبيض الحمامة وإنبات الشّجر على فم الغار أو لم تقع رؤية منكم لها ان كان المراد مطلق جنود الملائكة في غزواته (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) الكلمة كما مرّ مرارا تشمل الكلمات اللّفظيّة والكلمات التّكوينيّة من العقول والأرواح وعالم المثال والقوى البشريّة والحيوانيّة والنّباتيّة والأخلاق والأحوال والأفعال في العالم الصّغير ، وهي ان كانت منتسبة الى الولاية الّتى هي كلمة الله الحقيقيّة بلا واسطة أو الى من انتسب الى الولاية فهي كلمات الله ، لانّ كلمة الله الحقيقيّة هي المشيّة الّتى يعبّر عنها بالحقّ المخلوق به ، والاضافة الاشراقيّة والحقيقة المحمّديّة وعلويّة علىّ (ع) وهي الولاية المطلقة ، وكلّما كان منتسبا إليها كان كلمة الله ، وكلّما كان كلمة الله كانت عليا بعلوّ الله وكان العلوّ ذاتيّا لها لا عرضيّا محتاجا الى الجعل والتّسبيب ، ولذا أتى بالجملة الثّانية مرفوعة المبتدأ مستأنفة أو معطوفة على الجملة الفعليّة أو حالا عن فاعل جعل أو مفعوله ، أو المستتر في السّفلى مؤكّدة باسميّة الجملة وضمير الفصل وتعريف المسند الدّالّ على الحصر الّذى هو تأكيد على تأكيد لا منصوبة عطفا على مدخول جعل ، وان لم تكن منتسبة الى الولاية فان كانت منتسبة الى الشّيطان بان كان صاحبها متمكّنا في تبعيّة الشّيطان بحيث لا يكون مدخل ومخرج في وجوده الّا للشّيطان ، فهي كلمات الشّيطان والسّفليّة ذاتيّة لها ، وان لم تكن كذلك بان لم يكن صاحبها متمكّنا في تبعيّة الشّيطان ولا منتسبا الى الله والولاية ، فهي ليست كلمات الله ولا كلمات الشّيطان بل هي منتسبة الى ما هو الغالب الظّاهر من أحوال صاحبه كالاسلام والايمان والمحبّة والرّضا والسّخط والشّرك والكفر ، وهي بذاتها لا سفلى ولا عليا بل محتاجة الى جعل في ذلك ، ولذلك أتى بالجعل في الجملة الاولى من غير التّأكيد بضمير الفصل (وَاللهُ عَزِيزٌ) لن يغلب حتّى يتصوّر السّفليّة لكلمته (حَكِيمٌ) لا يتطرّق الخلل الى ما كان منتسبا اليه حتّى يتصوّر طرّ والسّفليّة لكلمته فالعطف من قبيل عطف السّبب (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) شبّانا وشيوخا أو مجرّدين عن الخدم والحشم والسّلاح ومثقّلين بها أو ناشطين وغير ناشطين في العالم الكبير أو في العالم الصّغير أمرهم بالجهاد بعد التّوبيخ بقوله : (ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا) ، وبقوله (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا) ، والتّهديد بقوله (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ) الله ، والتّرغيب بتذكير نصرته لنبيّه (ص) وتأييده له (ص) حتّى يكون أوقع في القلوب وابعد من الإنكار (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الأمور وعواقبها (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً) غنيمة قريبة الوصول (وَسَفَراً قاصِداً) متوسّطا غير بعيد (لَاتَّبَعُوكَ) بيان لسبب تخلّفهم وتثبّطهم وانّ المانع لهم والباعث على العذر الكاذب هو بعد السّفر وكثرة المشقّة (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) الشّقّة بالضّمّ وبالكسر النّاحية يقصدها المسافر والسّفر البعيدة والمشقّة وتعدية بعدت بعلى لتضمينه معنى ثقلت (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) بعد رجوعكم إليهم (لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) يعنى ما كان لنا استطاعة للخروج فلم نخرج ، أخبر نبيّه (ص) انّهم سيعتذرون بعدم الاستطاعة