بل لتحصيل كمال النّفس وطهارتها ظنّا منه انّ أفعاله تزكّى نفسه والكلّ خيال باطل فانّ المراءاة فعلا أو قولا من أعظم المعاصي والعمل من قبل النّفس لتزكيتها لا يزيد الّا في شقائها (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) يظهر طهارة من يشاء من دون حاجة الى اظهارهم ، أو يطهّر من الأدناس والرّذائل من يشاء لا من أراد أن يزكّى نفسه بعمله لانّها فضل من الله لا يمكن اكتسابه بالعمل بل العمل ان كان بأمر خلفائه يعدّ النّفس لقبول ذلك الفضل ، والآية ان كانت نازلة في اليهود والنّصارى لقولهم : نحن أبناء الله ، ولن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا أو نصارى فالتّعريض بمنافقى الامّة الّذين في أقوالهم وأفعالهم مراءاة في نسبة الطّهارة الى أنفسهم قولا وفي رياضاتهم وعباداتهم الشّاقّة من قبل أنفسهم قصدا للتّفوّق في الكمال على اقرانهم ، ولمّا توهّم من هذا انّ العمل لا ينجع في طهارة النّفس فمن شاء الله زكّاه ومن لم يشأ لم يزكّه رفع هذا الوهم فقال تعالى (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) بنقص أجر العامل أو بعقوبته إذا وقع العمل على وجهه ولا بزيادة عقوبة العاصي (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في نسبة الطّهارة الى أنفسهم أو في تحصيل الطّهارة بفعلهم ظنّا منهم انّ في فعلهم رضى الله واذنه ولمّا كان الافتراء على الله المندرج في تزكيتهم أنفسهم غير ظاهر على كلّ راء ومدرك أتى بلفظ انظر الدّالّ على التّأمّل والتّعمّل في الإدراك بخلاف تزكيتهم وايمانهم بالجبت والطّاغوت حيث يراهما كلّ راء (وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) كمنافقى أمّتك وان كان نزوله في أهل الكتاب فالتّعريض بهم يتركون وصيّك و (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ) اسم صنم ثمّ استعمل في كلّ ما عبد من دون الله (وَالطَّاغُوتِ) مقلوب طيغوت مبالغة في الطّاغى سمّى به الشّيطان ثمّ كلّ من بالغ في الطّغيان (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) اى في حقّهم (هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) أصلهم علىّ (ع) ثمّ الائمّة من بعدهم ثمّ شيعتهم (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) بطردهم عن بابه وصرفهم عن الولاية والمتابعة لمن هو بمنزلته (وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ) عن باب الولاية (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) لانّ النّصرة هي الاعانة للمنصور في جلب منفعة أو دفع مضرّة على سبيل التّرحّم عليه وهي موقوفة على معرفة المنافع والمضارّ ومعرفة الرّحمة ومحلّها فمن أعان رجلا على قتل محبوبه أو شرب سمّ وترحم عليه في ذلك لم يكن ذلك نصرة ولا ترحّمه ترحّما بل عداوة وسخطا وان سمّاه المحجوبون عن ادراك الأشياء كما هي نصرة ، والعارف بحقائق الأشياء هم الأنبياء والأولياء (ع) ومن طرد عنهم لم يكن له ناصر في الأرض ولا في السّماء والنّاصرون له من هذه الجهة أعداء له حقيقة ولذلك يظهر يوم القيامة انّ الاخلّاء بعضهم كان لبعض عدوّا الّا الّذين آمنوا فانّ خلّتهم ونصرتهم من جهة ايمانهم توجب قربهم الى باب الولاية ثمّ صرف القول عن التّابعين الى المتبوعين فقال تعالى (أَمْ لَهُمْ) اى للمتبوعين (نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) حتّى يستحقّوا بذلك الاتّباع وان فرض انّ لهم نصيبا من الملك (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ) الّذين هم المتحقّقون بالانسانيّة وهم الأولياء وأصلهم علىّ (ع) فكيف بأشباه النّاس والنّسناس (نَقِيراً) والنّقير النّقطة الّتى في وسط النّواة يمثّل به في الحقارة والمعنى انّهم ليس لهم نصيب من الملك حتّى يطمعوا فيه فيتّبعوهم وحالهم ان لو كان لهم نصيب من الملك لما أتوا النّاس شيئا حقيرا منه فكيف بهم وهم نسناس فلا ملكهم يقتضي الاتّباع ولا حالهم ثمّ صرف القول الى الاتباع والمتبوعين جميعا فقال تعالى