وإبداء لّذمّ آخر لهم ، اعلم ، انّ عالم الطّبع واقع بين العالمين الملكوت العليا والملكوت السّفلى ، والإنسان الّذى هو خلاصة عالم الطّبع أيضا واقع بين هاتين الملكوتين ولهما التّصرّف في هذا العالم وفي بنى آدم ، لكن تصرّف الملكوت العليا في الخيرات والوجودات والجذب الى عالم الخيرات ومعدن النّور ، وتصرّف الملكوت السّفلى في الشّرور والاعدام والجذب الى عالم الظّلمة ومعدن الشّرور ، والملكوت العليا عالم نورانىّ لا ظلمة فيها والملكوت السّفلى عالم ظلمانىّ لا نور فيها ؛ والحاكم في الاولى هو الله وفي الثّانيّة هو الشّيطان ومن هنا وهم الثّنويّة حيث انسلخ مرتاضوهم عن الطّبع واغشيته واتّصلوا بالمجرّدات فشاهدوا العالمين ، فقال من لم يشاهد حكومة الملكوت العليا على السّفلى : انّهما قديمان حاكمان على العالم ، وقال من شاهد إيجاد العليا للسّفلى : انّ السّفلى حادثة لكن لها التّصرّف والحكومة بالاستقلال على العالم ، وقال من شاهد انّ في كلّ من العالمين حاكما وله الحكومة على عالمه وعلى عالم الطّبع ، انّ للعالم الهين : يزدان واهريمن ، وقال بعض : انّ كلا قديم ، وقال بعض : انّ اهريمن مخلوق حادث والملكوت السّفلى دار الشّياطين وسجن أهل الشّقاء وفيها النّار والجحيم وكلّ ما ورد في الشّريعة من عذاب الأشقياء والكافرين ومن الحيّات والعقارب والزّقّوم والحميم ، والإنسان الواقع بين العالمين إذا توجّه الى تلك الملكوت باتّباع الشّياطين واختيار النّفس وشهواتها ، ما لم يتمكّن في هذا الاتّباع كان على شفير جهنّم وشفاجرف هذا الوادي ، وإذا تمكّن في هذا الاتّباع بحيث لم يبق له حالة رادعة صار داخلا في هذا العالم وواقعا في مقام يحيط به لهب جهنّم وكان جهنّم محيطة به باعتبار جمراتها ولهباتها كما قال تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ) غنيمة وغلبة في تلك الغزوة (تَسُؤْهُمْ) استيناف في موضع التّعليل يعنى انّهم أحاط بهم الحسد الّذى هو من آثار السّجّين واشتعال نار الجحيم واحاطته دليل احاطة جهنّم بهم (وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ) قتل أو جرح أو انهزام (يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ) اى الأمر الّذى هو لائق بنا وبجودة رأينا من التّخلّف عمّا فيه الهلاك والاغترار بما لا حقيقة له من نصرة الله وملائكته (وَيَتَوَلَّوْا) عنك وعن المؤمنين (وَهُمْ فَرِحُونَ) بما أصابك لاقتضاء الحسد ذلك (قُلْ) لقومك تسلية لهم حين المصيبة عن المصيبة وعن شماتة القاعدين أو قل للمتخلّفين ردّا لهم في فرحهم بإصابة المصيبة وفي قولهم قد أخذنا أمرنا (لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) وما كتب الّا ما فيه صلاحنا (هُوَ مَوْلانا) استيناف في موضع التّعليل (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) عطف على قل فهو من كلام الحقّ أو على ما بعده فهو مقول القول ، والفاء امّا على تقدير امّا أو توهّمه ، أو زائدة ، أو عاطفة على محذوف حذف وأقيم معمول ما بعده مقامه إصلاحا للّفظ ومثله في تقديم معمول ما بعد الفاء عليها لا صلاح اللّفظ قولك وامّا على الله فليتوكّلوا أو الأصل ليتذكّر المؤمنون فليتوكّلوا على الله وبعد حذف المعطوف عليه واقامة معمول ما بعد الفاء مقامه أظهر فاعل المعطوف لعدم تقدّم ذكر المرجع (قُلْ) تسلية لقومك وردعا للمتخلّفين الفرحين (هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) الظّفر والغنيمة أو القتل والجنّة (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ) احدى السّوئتين (أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ) بالقتل والبلايا الشّديدة من دون واسطة بشر (أَوْ بِأَيْدِينا) بالقتل والأسر والتّعذيب بأيدينا (فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) في الخبر في تفسير الّا احدى الحسينين امّا موت في طاعة الله أو ادراك ظهور امام (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) تزييف لاعمالهم القالبيّة كما انّ سابقه تزييف