لخواطرهم القلبيّة النّاشئة عن رذائلهم النّفسيّة والمقصود التّهكّم بهم والتّسوية من الإنفاق بالطّوع والإنفاق بالإكراه وليس الأمر على حقيقته (لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) استيناف في موضع التّعليل (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) تعليل لعدم القبول (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) عطف باعتبار المقصود ، فانّ المقصود من امره (ص) إظهار عدم قبول نفقاتهم فكأنّه تعالى قال لا يقبل منهم نفقاتهم الّتى أنفقوها طوعا أو كرها وما منعهم ان تقبل نفقاتهم (الى الآخر) يعنى انّ كفرهم بالله منعهم من قبول نفقاتهم فانّ الأعمال كلّها قبولها بالايمان بالله (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ) القالبيّة إظهارا لأحكام الإسلام (إِلَّا وَهُمْ كُسالى) لعدم نشاطهم بالأعمال الاخرويّة لكفرهم (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) الخطاب للنّبىّ (ص) والمعنى على ، ايّاك اعنى واسمعي يا جارة ، أو الخطاب عامّ لكلّ من يتأتّى منه الخطاب (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) في موضع تعليل للنّهى (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) الزّهوق الخروج بصعوبة ، اعلم ، انّ النّفوس البشريّة لمّا كانت سفليّة ترى الخير في الجهات الدّنيويّة وان لا خير سواها وهي محصورة فيما اقتضته قوّتاها الشّهويّة والغضبيّة ، وما اقتضته الشّهويّة امّا محبوب لها من غير شعور منها بغاية له أو محبوب لها لغيره ، والاوّل كالأولاد فانّ النّفوس مفطورة على محبّتهم غير شاعرة بغاية لتلك المحبّة ، والثّانى كالاموال فانّها محبوبة لغايات عديدة هي محبوبة لها بذاتها ، كالمأكول والمشروب والملبوس والمسكون والنكوحة والمركوب والحشمة والخدم والجاه والعرض وجذب القلوب والصّيت والثّناء وغير ذلك ، وقد يصير كثرة المال محبوبة لذاتها إذا غلب الحرص وأعمى صاحبه حتّى انّه يقترّ في ما اقتضته الشّهويّة حفظا للمال وحبّا له ، كما انّه قد يصير الأولاد محبوبة لغيرها ، وما اقتضته الغضبيّة هو التّبسّط في البلاد والتّسلّط على العباد وارادة الانتقام وسهولته وانقياد الخلق وطاعتهم وسياسة من خرج منهم من الطّاعة ويتولّد من هذه المذكورات جملة الرّذائل ويختفى بسببها جملة الخصائل ويتوسّل إليها كلّها بكثرة المال والأعوان وأقوى الأعوان الأولاد ، وامّا الشّيطنة فانّها في مقتضياتها خادمة للشّهويّة والغضبيّة بوجه فمن رأته صاحب كثرة الأموال والأولاد حسبته صاحب خيرات كثيرة واعجبتها كثرة أمواله وأولاده وتمنّت ان تكون لها هذه ، ولم تدر أنّها شاغلة له عن العلوّ والتّوجّه الى الله متعبة له في جمعها وحفظها مولمة له بخوف تلفها وحين تلفها ؛ ولذلك اقتصر على ذكر الأولاد والأموال ونهى نبيّه (ص) تعريضا بامّته عن الاعجاب بها كصاحب النّفوس السّفليّة معللا بعذاب الدّنيا والخروج الى الآخرة مع الكفر الموجب لعذاب الآخرة (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) عطف بلحاظ المعنى فانّ المقصود من السّابق انّهم خارجون عن المسلمين غير متّصفين بصفاتهم وكأنّه قال حين قال : وما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم لم يكونوا على صفة المسلمين مقبولى النّفقات ويحلفون بالله (إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ) تكذيب لهم في حلفهم (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) يخافونكم على أموالهم وأنفسهم (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) حصنا يتحصّنون فيه أو سلطانا يتقوّون به وهو جواب سؤال اقتضاه تكذيبهم (أَوْ مَغاراتٍ) في الجبال (أَوْ مُدَّخَلاً) أسرابا في الأرض (لَوَلَّوْا إِلَيْهِ) وأعرضوا عنكم وما انتحلوا صورة الإسلام (وَهُمْ يَجْمَحُونَ) يسرعون اليه (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ) يعيبك