(فِي الصَّدَقاتِ) في قسمتها وجمعها وحفظها للايصال الى مستحقّها (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) لاتّباعهم لك في الأغراض الفاسدة والاعراض الكاسدة لا لأمر الدّين والآخرة ، وقد ذكر شأن نزولها في الاخبار وانّها نزلت حين لمز الأغنياء رسول الله (ص) في تقسيم الصّدقات على الفقراء ، وورد انّ أهل هذه الآية أكثر من ثلثي النّاس ، والتّحقيق انّ كلّ من غلب حبّه للدّنيا على حبّه للآخرة فهو من أهل هذه الآية وأغلب النّاس ليس لهم حبّ للآخرة وأغلب من كان له حبّ الآخرة حبّه للدّنيا غالب على حبّه للآخرة (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ) من الغنى والفقر والأولاد والعقم والعزّة والّذلّة والصّحّة والسّقم والأمن والخوف وغير ذلك ممّا ليس بيد العبد ، أو المراد ما آتاهم الله من الصّدقات والغنائم على يد رسوله (ص) فانّ الكلام فيها فيكون ذكر الله اشارة الى انّ إعطاء محمّد (ص) إعطاء الله وانّه لا يفعل من عند نفسه وهو تعظيم لشأنه (ص) (وَرَسُولُهُ) من الغنائم والصّدقات فانّ الرّضا بقضاء الله إذا قضى ما لا يلائم يهوّن امره وإذا قضى ما يلائم يورث الشّكر ويجلب المزيد ، والرّضا بما أعطاه الرّسول (ص) قليلا كان أو كثيرا يورث المحبّة له والتّوجّه اليه والاتّباع له وفي الكلّ خير الدّنيا والآخرة وعدم الرّضا يورث أضدادها (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) منقطعين من الكلّ اليه متوكّلين عليه راجين من فضله (سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) في موضع التّعليل (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) المسكين كما مضى أسوء حالا من الفقير وهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ، والفقر من لا يقدر بالفعل أو بالقوّة على قوت سنته (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) اجرة لعملهم (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) فانّهم معدّون لحفظ ثغور المسلمين أو مستمالون لاستماع آيات القرآن واحكام المسلمين حتّى يعرفوا انّ محمّدا (ص) رسول الله (وَفِي الرِّقابِ) العبيد تحت الشّدّة أو المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة أو ما يلزم المسلمين من الكفّارات ولم يقدروا على أدائها (وَالْغارِمِينَ) الّذين لم يستدينوا في ما لم يأذن به الله (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) الجهاد أو هو والحجّ أو كلّ سبيل خير (وَابْنِ السَّبِيلِ) المسافر في سفر مباح لا يقدر بالفعل ولا بالقوّة ولو بالاستدانة على مؤنة سفره الى وطنه (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) فرض الله فريضة (وَاللهُ عَلِيمٌ) بموارد الصّدقات (حَكِيمٌ) في تسنينها وتخصيص مواردها (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) يقبل كلّ ما يسمع من اىّ قائل اتّفق (قُلْ) هو (أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) يسمع كلّ ما فيه صلاحكم وان لم تعلموا انّ فيه صلاحكم (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) امّا مقول قوله (ص) أو مستأنف من الله والمقصود بيان حاله أو تعليل كونه اذن خير ، اعلم ، انّ للسّالك الى الله ايمانا بالله في مقام الوحدة والتّوجّه اليه عن الكثرة وفي هذا الايمان لا توجّه له الى الكثرة لا بخير ولا بشرّ ، وايمانا في مقام الكثرة والتّوجّه إليها بالله وفي هذا المقام له نحو تصرّف في الكثرة امّا بخير إذا كان المتوجّه اليه ممّن يقبل التّصرّف بالخير كجملة أجزاء العالم سوى الأشقياء من بنى آدم ، وامّا بشّر إذا كان المتوجّه اليه ممّن يصير الخير في وجوده شرّا ، لانّ الشّرّ ليس من المتصرّف في الكثرة بالّذات بل تصرّفه يصير بواسطة القابل شرّا ، فقوله يؤمن بالله اشارة الى الايمان الاوّل وقوله يؤمن للمؤمنين اشارة الى الايمان الثّانى ، والمعنى يؤمن بالله في مقام الكثرة يعنى يصدق الكلّ فانّ كلّا في مقامه مسخّر لله ومظهر له وما يظهر منه في الحقيقة ظهور فعل الله لكنّه بحسب المظاهر يصير