في بعض شرّا وفي بعض خيرا ولا ينتفع بهذا الايمان من محمّد (ص) الّا المؤمنون ، لانّه كان بحسب هذا الايمان نافعا للكلّ لكن يصير ذلك النّفع في بعض القوابل ضرّا وشرّا ، وبما ذكر يظهر صحّة الاخبار ووجه الجمع بينها والى ما ذكر أشار بقوله (وَرَحْمَةٌ) عطفا على اذن خير وما بينهما اعتراض (لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) بالايمان العامّ أو الخاصّ وكان ارادة الايمان الخاصّ انسب بالمقام ، لانّه أشير الى مطلق الانتفاع الّذى هو عامّ لجملة المسلمين الّذين بايعوه بالبيعة العامّة بقوله (أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) وبقوله (يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) ، ولانّ الخطاب كان لعامّة المسلمين والمؤمن منهم لا يكون الّا مؤمنا خاصّا ، ولانّ خصوص الرّحمة الرّحيميّة بقرينة ذكرها بعد الانتفاع المطلق الّذى هو مطلق الرّحمة الرّحيميّة مختصّ بالمبتاعين بالبيعة الخاصّة الولويّة الّتى هي الايمان حقيقة وكان الأنسب بالمقابلة ان يقول تعالى وسخط للّذين لم يؤمنوا وأوذوا رسول الله (ص) لكنّه عدل الى قوله (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) جملة معطوفة على الجملة السّابقة تبرئة له (ص) من نسبة السّوء والعذاب اليه لما عرفت ان ليس منه الّا الرّحمة والنّفع لكنّها بحسب القابل تصير ضرّا وشرّا (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ) اى المؤذون يعنى إذا قال المؤمنون للمنافقين المؤذين لم تؤذون رسول الله (ص) وتلمزونه وتنمّون عليه يحلفون بالله لهم وهو استيناف لبيان حالهم ، وانّهم بعد إيذائهم يعتذرون بالمعاذير الكاذبة ويحلفون على كذبهم ومقصودهم ارضاؤكم لا إرضاء الله ورسوله ، فهم ينافقون بعد الإيذاء حيث يظهرون ما في قلوبهم مطويّة على خلافه ويكذبون ويحلفون على الكذب وينصرفون عن الله ورسوله (ص) فهم في هذا الاعتذار واقعون في رذائل اربع كلّ منها بوحدتها مهلكة (لِيُرْضُوكُمْ) لعدم ايمانهم بالله ورسوله (ص) بل لمحض المماشاة معكم (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) توحيد الضّمير باعتبار بانّ رضى الله لا يظهر ولا يتيسّر الوصول اليه الّا برضى الرّسول (إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ) يعنى انّ الايمان يقتضي إرضاء الله ورسوله (ص) وان كان بسخط جميع الخلق (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ) من يخاصم الله ورسوله (ص) (فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) نزلت في المنافقين المتخلّفين عن غزوة تبوك حين تحدّثوا انّ محمّدا (ص) يزعم انّ حرب الرّوم كحرب غيرهم لا يرجع منهم أحد وقال بعضهم استهزاء : نحذر ان يخبر الله بذلك ، وورد انّها نزلت في أصحاب العقبة كمنواله في العقبة ليقتلوه وقالوا : ان فإن بنا قلنا انّما كنّا نخوض ونلعب وان لم يتفطّن قتلناه وقصّته مذكورة في المفصّلات (لا تَعْتَذِرُوا) بالاعذار الكاذبة استيناف من الله ردعا لهم (قَدْ كَفَرْتُمْ) صرتم كافرين (بَعْدَ إِيمانِكُمْ) بالتّوبة على يد محمّد (ص) والبيعة معه بالبيعة العامّة (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ) بعد توبتها (نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) لعدم توبتهم أو لانجرار كفرهم الملّىّ الى الكفر الفطرىّ الّذى لا يقبل التّوبة معه وعلى قراءة يعف ويعذب بالغيبة يحتمل ان يكون من جملة قول الرّسول (ص) (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) ليسوا منكم كما ادّعوا والجملة خبر عن المنافقون أو حال عن المنافقون