والمنافقات أو معترضة (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ) قالا وحالا ووجودا في عالمهم الصّغير والعالم الكبير لانّهم متصوّرون بصور المنكرات وكلّ يعمل على شاكلته فكلّ امرء متصوّر بصورة المنكر يأمر على وفق صورته بالمنكر ولم يكن له شأن سوى الأمر بالمنكر لكون شاكلته المنكر وان كان صورة امره امرا بالمعروف ولذلك أتى بالمضارع الدّالّ على الاستمرار التّجدّدىّ (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) لانّهم ينأون عنه والنّائى عن الشّيء الغير المتصوّر به ينهى عنه لا محالة (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) الظّاهرة عن الإنفاق ابتغاء رضى الله حرصا بالمال غير معتقد بالأجر والعوض من الله وعن البيعة مع النّبىّ (ص) والولىّ (ع) وأيديهم الباطنة عن التّوسّل بذيل النّبوّة والولاية ، وعن التّبتّل الى الله والتّضرّع عنده ، وعن الامتداد الى الخيرات الكثيرة الرّوحانيّة ، وعن إنفاق أموالهم الباطنة الّتى هي القوى البدنيّة والأخلاق النّفسيّة الرّذيلة الّتى في إنفاقها الوعد بالمائة الى سبعمائة والله يضاعف لمن يشاء (نَسُوا اللهَ) جواب لسؤال ناش عن ذكر اوصافهم الّذميمة الّتى تقتضي السّؤال عن علّتها أو عن وصف آخر ذميم لهم فهو في موضع التّعليل أو بيان حال آخر ذميم لهم والنّسيان هو الغفلة عن المعلوم بحيث يزول عن خزانته ويحتاج الى مشاهدة جديدة ان كان من المشاهدات ، أو كسب جديد ان كان من الكسبيّات بخلاف السّهو ، فانّه الغفلة عنه بحيث لا يزول عن الخزانة ولا يحتاج الى سبب جديد بل يستحضر بأدنى تأمّل فالفرق بينهما بالشّدّة والضّعف ، ولمّا كان معرفة الله فطريّة لكلّ أحد بل لكلّ موجود والإنسان بمجاهداته ورياضاته أو بأفكاره وانظاره يستكشف ذلك المعلوم الفطرىّ وبتدنّساته ومعاصيه يستر ذلك المعلوم الفطرىّ استعمل النّسيان ومن باب المشاكلة قال تعالى (فَنَسِيَهُمْ) مجازا اى تركهم وأسقطهم عن نظره وافاضة رحمته (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) تعليل أو بيان ذمّ آخر ووضع المظهر موضع المضمر للتّكرار المطلوب في مقام السّخط ولذا غلظ عليهم بالتّأكيدات الاربعة ؛ انّ واسميّة الجملة وضمير الفصل وتعريف المسند ، وللتّفظيع وللاشارة الى علّة الحكم وأسقط المنافقات تغليبا ولعدم المبالاة بهنّ (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ) وضع الظّاهر موضع المضمر لما مرّ والتّصريح بالمنافقات لدفع توهّم عدم كونهنّ محكوما عليهنّ بما ذكر ولمطلوبيّة التّطويل في مقام التّغليظ ولذلك بسط في الاخبار عن حالهم (وَالْكُفَّارَ) عطف للعامّ على الخاصّ ان جعل الكفر اعمّ من النّفاق والّا عطف للمغاير على المغاير (نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ) عذابا وايلاما (وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) تالله لقد شدّد عليهم بذكر أوصاف سبعة ؛ وعد النّار واضافتها الى جهنّم والخلود فيها وكفايتها لهم يعنى لا يتصوّر فوقها عقوبة ولعنهم واختصاصهم بالعذاب واتّصاف العذاب بالدّوام (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) حال من واحدة من الجمل السّابقة أو متعلّق بواحد من الأفعال السّابقة أو مستأنف خبر مبتدء محذوف اى أنتم مثل الّذين من قبلكم في نفاقهم واستمتاعهم وحبط أعمالهم وخسرانهم فهو التفات من الغيبة الى الخطاب وتفظيع آخر لهم بتشبيههم بمن هو مثل عندهم في الفظاعة ، والتّعنّت تنشيطا للسّامعين الى الاستماع (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) استيناف أو حال من الموصول أو من المستتر في الظّرف والمقصود بيان قوّة أسباب الخوض في الشّهوات فيهم ليكون غاية تفظيع لهم فانّ الخوض في الشّهوات من الفقير أقبح فاذا كانوا مع ضعفهم في أسباب الخوض في الشّهوات مثل السّابقين الّذين كانوا أقوى منهم