في أسباب الخوض في الشّهوات كانوا أقبح منهم (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) نصيبهم من الشّهوات (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ) مثلهم مع انّكم كنتم أضعف منهم وأقلّ مالا وأولادا ، ولمّا لم يعلم من السّابق انّ اللّاحقين استمتعوا مثل السّابقين صريحا وكان التّطويل مناسبا قال (كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ) في الشّهوات والملاهي (كَالَّذِي خاضُوا) كالخوض الّذى خاضوا أو كالّذين خاضوا بجعل الّذى بمعنى الّذين لارادة الجنس منه (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) اشارة الى السّابقين وتعريض باللّاحقين بانّهم اولى منهم بحبط الأعمال لضعفهم في أسباب الشّهوات وخوضهم مع ذلك فيها مثلهم ، أو اشارة الى السّابقين واللّاحقين بصرف الخطاب الى محمّد (ص) ، أو اشارة الى اللّاحقين لانّ الكلام فيهم والإتيان باسم الاشارة البعيدة لتأكيد الحكم وتصويرهم باوصافهم الفظيعة وتبعيدهم عن مرتبة التّخاطب كما انّ تكراره في قوله (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) والإتيان بضمير الفصل وتعريف المسند كان لذلك وللحصر (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) استفهام إنكارىّ لتقريعهم على اشتغالهم بالملاهي مع وصول خبر السّابقين إليهم (قَوْمِ نُوحٍ) أغرقوا بالطّوفان (وَعادٍ) قوم هود (ع) اقتصر على اسمهم اختصارا اهلكوا بالرّيح (وَثَمُودَ) قوم صالح (ع) (وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ) ولمّا لم يكن لهم اسم خاصّ قال قوم إبراهيم (ع) اهلكوا بالبعوضة (وَأَصْحابِ مَدْيَنَ) قوم شعيب (ع) اهلكوا بالنار (وَالْمُؤْتَفِكاتِ) أهل المؤتفكات وهم قوم لوط سمّيت قراهم بالمؤتفكات اى المنقلبات لانقلابها بهم بجعل عاليها سافلها كذا في الخبر عن الصّادق (ع) (أَتَتْهُمْ) اى المذكورين كلّهم (رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالأحكام الواضحات من احكام الرّسالة أو بالمعجزات (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بالإهلاك بما ذكر لإتمامه الحجّة عليهم بالرّسل والبيّنات وتخلّل كان مع لام الجحود للمبالغة في نفى الظّلم عنه تعالى وقد مضى انّه لنفى المبالغة في الظّلم وهو اعمّ من المبالغة في نفى الظّلم لكنه في العرف يستعمل في المبالغة في نفى الظّلم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) لانّهم بانصرافهم بعد وضوح الحجّة وتكذيبهم عرضوها للعقاب الدّائم وتقديم المفعول للحصر لتوهّم انّهم بتكذيبهم ظلموا الأنبياء (ع) وتخلّل كان للاشارة الى استمرار الظّلم بحيث كأنّه صار طبيعة لهم (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) هذا في مقابله قوله : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ) (الآية) وغيّر الأسلوب تنشيطا للسّامع واشارة الى ان لا ولاية حقيقة بين الكفّار والمنافقين وما يتراءى بحسب الصّورة انّه ولاية فهو عداوة حقيقة الاخلّاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ ، والى انّ المنافقين من حيث نفاقهم ينشأ بعضهم من بعض ، بخلاف المؤمنين فانّهم من حيث ايمانهم ينشأون كلّهم من صاحب الايمان وهو النّبىّ (ص) أو الولىّ (ع) وان كان ازدياد ايمانهم ناشئا لبعضهم من بعض (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) في مقابل يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) في مقابل يقبضون أيديهم ، ولمّا كان اليد اعمّ من اليد الصّوريّة والمعنويّة وقبضها اعمّ من القبض عن الإعطاء والقبض عن الابتهال وجذب الخيرات الاخرويّة والتّفضّلات الالهيّة ويعبّر عن ضدّ الاوّل بالإعطاء ، وإيتاء الزّكاة اعمّ من الإعطاء من الأموال والأبدان والقوى الشّهويّة