(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) يعنى هؤلاء الاتباع في اتّباعهم لغير النّاس الّذين هم رؤساء الضّلالة والمتبوعون في ترك اتّباعهم للأولياء والأصل فيهم علىّ (ع) وادّعاء المتبوعيّة لأنفسهم يريدون زوال فضل الله عن النّاس والمقصود تقرير حسدهم والأصل في النّاس بعد محمّد (ص) علىّ (ع) وخلفاؤه (عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) من الامامة والخلافة (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ) على رغم أنوفهم وعمى عيونهم ، وآل إبراهيم (ع) محمّد (ص) وعلىّ (ع) وخلفاؤه صلوات الله وسلامه عليهم وأضافهم الى إبراهيم (ع) للاشارة الى منقبة اخرى لهم حتّى يزدادوا غيظا (الْكِتابَ) اى النّبوّة فانّ مرتبة النّبوّة من جهة انّها قابلة لنقوش الأحكام الإلهيّة من مرتبة الولاية يعبّر عنها بالكتاب كما انّ مرتبة الرّسالة أيضا كذلك ، لكن سيأتى انّها المرادة بالملك العظيم وقد سبق في اوّل الكتاب تعميم اطلاق الكتاب فيراد منه في كلّ مقام معنى بحسب اقتضاء ذلك المقام.
تحقيق معنى الحكمة
(وَالْحِكْمَةَ) الحكمة قوّة بها يقتدر الإنسان على ادراك دقائق لأمور وخفايا المصنوع وعلى الإتيان بالمصنوع المشتمل على دقائق الصّنع فهي باعتبار متعلّقه مركّبة من جزئين جزء علمىّ ويسمّى حكمة نظريّة وجزء علمىّ ويسمّى حكمة عمليّة ويعبّر عنهما بلسان الفرس «بخرده بيني وخرده كارى» وقد يعبّر عن الحكمة بالإتقان في العمل للاشارة الى أحد جزئيها وقد يعبّر عنها بالكمال في العلم والإتقان فيه للاشارة الى الجزء الآخر ، وقد تفسّر بالإتقان في العلم والعمل للاشارة الى كلا جزئيها والحكمة الّتى تذكر في مقابلة الجربزة هي القوام في تدبير المعيشة علما وعملا والجربزة افراطه ، وهذه الحكمة هي من نتائج مرتبة الولاية فانّ الولىّ بتجرّده يقتدر على معرفة دقائق الأشياء لعدم احتجاب شيء منه إذا أراد معرفته وعلى صنع دقائق المصنوعات لعدم تأبّى شيء منه ، والحكيم المطلق هو الله تعالى ثمّ الأنبياء (ع) والرّسل (ع) بجهة ولايتهم ثمّ خلفاؤهم ثمّ الأمثل فالأمثل. واوّل مراتب الحكمة ان تدرك دقائق صنع الله في نفسك وبدنك وانّك خلقت برزخا بين العالمين السّفلىّ والعلوىّ وانّ نفسك خلقت قابلة صرفة لتصرّف الملكوتين لا تأبّى لها من تصرّفهما ، وان تصرّف السّفلىّ يؤدّيها الى السّجن والسّجّين ، وتصرّف العلوىّ يجذبها الى قرب الملأ الأعلى ، كلّ ذلك على سبيل المعرفة لا على طريق العلم ، والمظنّة كما هو طريق حكماء الأخلاق فانّهم يقنعون بالعلم الكلّىّ غافلين عن نفوسهم الجزئيّة فلا ينتفعون بعلمهم ثمّ تقدر على دقائق العمل لسدّ طرق تصرّف الملكوت السّفلىّ وفتح طرق تصرّف الملكوت العلوىّ كقدرة علىّ عليهالسلام في الغزاة على ترك الضّرب حين ظفر بالعدوّ ورفع السّيف للضّرب فتفل في وجه علىّ (ع) فترك الضّرب لهيجان النّفس للضّرب. فاذا عرف الإنسان بما ذكر وقدر وعمل ارتقى لا محالة الى مقام العبوديّة وهو مقام الفناء ومقام الولاية ثمّ إذا علم الله فيه استعداد إصلاح الغير ردّه الى بشريّته بخلعة النّبوّة والرّسالة أو الخلافة وبصّره دقائق الصّنع في الملك والملكوت وأقدره على دقائق التّصرّف في الأشياء وأخدمه جميع الموجودات وهو آخر مراتب الحكمة. والمراد بالحكمة هاهنا الولاية لانّها من نتائجها وهذا بيان الحكمة ، وتحقيقها والتّفسيرات المختلفة الّتى وقعت في كلماتهم راجعة اليه مثل ان قيل : هي معرفة حقائق الأشياء كما هي ، أو : هي العلم الحسن والعمل الصّالح ، أو : هي الإتيان بالفعل الّذى له عاقبة محمودة ، أو : هي الاقتداء بالخالق بقدر الطّاقة البشريّة ، أو : هي التّشبّه بالإله في العلم والعمل بقدر الطّاقة البشريّة (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) الملك اسم مصدر بمعنى ما يملك ، ويطلق على كلّ مملوك وعلى عالم الطّبع خاصّة لانّه لا جهة فيه الّا المملوكيّة بخلاف الملكوت الّتى هي مبالغة في المالكيّة فانّها وان كانت