الجزء الحادي عشر
(يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ) يبالغون في إيتاء العذر إليكم وابدائه لكم من غير حصول عذر لهم بقرينة الرّدّ عليهم وان كان الاعتذار اعمّ من إبداء العذر من غير عذر أو مع عذر وهو اخبار بما سيقع (إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ) من غزوتكم هذه وهي غزوة تبوك (قُلْ) في جوابهم بعد رجوعك واعتذارهم (لا تَعْتَذِرُوا) لا تبدوا العذر من غير حقيقة (لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ) اى لن نصدّقكم (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) ومنه اعتذاركم هذا بالكواذب ولمّا كان اعتذار هم للتّدليس على النّبىّ (ص) وأصحابه جميعا ضمّ أصحابه الى نفسه وأتى بلفظ المتكلّم مع الغير (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) وضع الظّاهر موضع المضمر للتّهديد وانّه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم تأكيدا لما قبله (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ) اخبار عنهم قبل وقوعه أيضا (لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) ولا تخاطبوهم بما وقع منهم ولا تعاتبوهم بل تكونوا توافقونهم وترافقوهم كسائر المؤمنين (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) لا عن خطابهم وعتابهم فقط بل عن معاشرتهم وموافقتهم (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) بحسب أصل ذواتهم فلا يقبلون الطّهارة حتّى يؤذن لكم في عتابهم أو في مرافقتهم باحتمال إصلاحهم (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) بدل من الاوّل نحو بدل الاشتمال ، أو تأكيد نحو التّأكيد المعنوىّ حيث انّ الغرض من الاعراض الاعراض عن المعاتبة والملامة المقارن للرّضا غالبا ، ولذا عقّب الأمر بالاعراض بقوله انّهم رجس للاشارة الى انّ الأمر ليس لما قصدوه من الرّضا وترك السّخط ، بل لعدم شأنيّتهم للمعاتبة والملامة (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) نهى عن الرّضا بألطف وجه وأبلغه كأنّه قال : فان ترضوا كان رضاكم مخالفا لرضا الله والايمان يقتضي ان يكون رضاكم تبعا لرضا الله فلا ترضوا عنهم لانّ الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ، ووضع الظّاهر موضع المضمر اشارة الى ذمّ آخر واشعارا بعلّة الحكم (الْأَعْرابُ) الاعراب في أهل البد وكالعرب بالضّمّ والتّحريك في أهل البلاد كما سبق لكنّهما قد يعتبران في العالم الصّغير فيطلق الاعراب على الواقف في تيه النّفس الامّارة والعرب على السّاكن في عمران النّفس المطمئنّة ومدينة القلب ، ولذا سمّوا في الاخبار أعداء أهل البيت اعرابيّين وان كانوا قرشيّين أو مكّيّين أو مدنيّين ؛ وسمّوا شيعتهم عربيّين وان كانوا من أهل البد وو أقصى بلاد الهند (أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) لقسوة قلوبهم وغلظة نفوسهم وعدم سماعهم لما يقرّبهم الى الحقّ ويرغّبهم في الآخرة وعدم تفطّنهم بما خلقوا له (وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) لعدم سماعهم لها وعدم تفطّنهم لمقصود المسموع وعدم اقتضاء حالهم لحفظ ما يتفطّنون به ، والمراد بالحدود امّا الأحكام من العبادات والمعاملات أو الغايات المقصودة من احكامه وآدابه وقصصه ومواعظه (وَاللهُ عَلِيمٌ