حَكِيمٌ) عطف على جملة (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) والجامع بين المتعاطفين هو تقابل مسنديهما فانّ المراد بالحكمة هنا هو الحكمة العمليّة الّتى هي الإتقان في العمل والمداقّة فيه المستلزمة للمداقّة في العلم ويعبّر عنها بالفارسيّة : به «خورده كارى ، وخورده بيني» والكفر والنّفاق ناش عن عدم المداقّة في العلم والعمل فبين ملزوم الكفر والحكمة تقابل السّلب والإيجاب وهو الجامع ، وبين العلم وعدمه أيضا كذلك ، والمعنى انّ الاعراب في طرف والله ومظاهره في طرف آخر ، فبينهما مباينة تامّة فلا يتفضّل الله عليهم ولا يتوجّهون اليه والمراد بالاعراب ظاهرا ما عرفت وتأويلا منافقوا الامّة فقوله (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ذمّ آخر لهم حيث يشير الى بعدهم عن الله وكان الموافق تأخير الكفر والنّفاق أو تقديم الحكمة ليكون المتعاطفان على ترتيب واحد ، لكن لمّا كان الكفر والنّفاق سببا للجهل الخاصّ المأخوذ في المعطوف عليه وان كانا مسبّبين عن الجهل المطلق ، والحكمة بهذا المعنى مسبّبة عن العلم المطلق المأخوذ في المعطوف ، عكس التّرتيب مراعاة للترتيب بين مسندي كلّ (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ) في الجهاد وعلى فقراء المسلمين من الحقوق المفروضة أو الغير المفروضة (مَغْرَماً) خسرانا بلا عوض لعدم اعتقاده بالله وبالآخرة وبالأجر والعوض من الله (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) الحوادث المقلّبة عليكم الأمور ، سمّيت دوائر لدورانها على البشر لكن استعمالها فيما فيه شرّ (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) اخبار عن حالهم الّتى هم عليها في الآخرة لكن ادّاه بصورة الواقع لتحقّق وقوعه ، أو عن حالهم الّتى هم عليها في الدّنيا اشارة الى غرور الشّيطان ودواعي النّفس الّتى كلّها مهلكات ، أو دعاء عليهم ولمّا لم ينفكّ دعاء الله عن تحقّق المدعوّ به فهو مستلزم للأخبار والاضافة الى السّوء هنا دون الاوّل لحرمة المؤمنين واهانة المنافقين (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) والجامع هاهنا هو لازم المعطوف عليه ومتعلّق المعطوف المقدّر كأنّه قال : ومن الاعراب من يتّخذ ما ينفق مغرما فيقول قد وقعت في محذور مع محمّد (ص) ويتربّص بكم الدّوائر فيضمر هلاككم وخلاصه والله سميع لقوله عليم بنيّته وهو تهديد للأعراب وتسلية للمؤمنين (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ) لمّا كان قوله الاعراب اشدّ كفرا مقدّمة للتّفصيل الّذى بعده حكم فيه على الجنس للاشعار بانّه سجيّتهم ولازمهم ، ليكون مذمومهم اشدّ ذمّا وممدوحهم أبلغ مدحا ، وكرّر لفظ الاعراب ليكون تصويرا لهم بما وصفوا به من السّجيّة الخبيثة ليكون في الّذمّ والمدح أبلغ (وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) سبب دعواته لانّه (ص) كان يدعو للمصدّق بحسب الأمر الالهىّ بقوله: اللهمّ صلّ عليه (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) لمّا صار المقام مظنّة السّؤال عن انّها قربة أم لا؟ وهل يكون سببا لصلوات الرّسول (ص)؟ وهل يجاب الرّسول (ص) في حقّهم أم لا؟ أتى بالجملة المذكورة مقطوعة عن سابقها مؤكّدة مصدّرة بأداة الاستفتاح (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) تصديق بسببيّة إنفاقهم لدعاء الرّسول (ص) واجابة الله له (ص) في حقّهم ، والسّين امّا للتّأكيد أو للتّسويف (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تعليل لتأكيد الوعد وتحقيقه (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) عطف على من يؤمن بالله اى ومن الاعراب السّابقون فضلا عن كون من يؤمن بالله منهم وعلى هذا فينبغي ان يراد بالاعراب الواقف في بيداء النّفس لا أهل البد وفقط ، حتّى يصحّ كون السّابقين بلام الاستغراق منهم ويكون الآية حينئذ