مملوكة من وجه لكن لها مالكيّة للملك كمالكيّة الجبروت لما دونها واللّاهوت لما سواها ، والمراد بالملك العظيم هاهنا مقابلا للكتاب والحكمة هو الرّسالة وخلافة الرّسالة فانّها لجمعها بين الوحدة والكثرة بنحو الكمال ملك لا أعظم منها وقد فسّر في الخبر بالطّاعة المفروضة اللّازمة لها ، وبطاعة جميع الموجودات تكوينا اللّازمة للولاية ، وبملك القلوب. وتكرار آتينا للاشارة الى استقلاله بالامتنان والانعام (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) عطف باعتبار المعنى كأنّه تعالى قال بعد ارادة علىّ (ع) من النّاس المحسودين ، وذكر إعطائه من فضله تصريحا والكتاب والحكمة والملك العظيم تعريضا ينبغي ان يؤمنوا به ولا يخرجوا من طاعته لكنّهم تفرّقوا واختلفوا ، أو عطف على محذوف جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما فعلوا به؟ ـ فقال : اختلفوا فيه فمنهم من آمن به كسلمان واقرانه (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) اعرض أو منع غيره (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) يعنى ان لم نعاقبهم في الدّنيا فكفاهم جهنّم في الآخرة والجملة عطف على (مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) من قبيل عطف الإنشاء على الخبر أو باعتبار لازم معناه كأنّه قال : ومنهم من صدّ عنه وهم المعاقبون في النّار (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً) تفصيل لحال المؤمنين به والصّادّين عنه وتقديم حال الصّادّين لقصد كون الافتتاح والاختتام بحال المؤمنين كأنّه قال : امّا الّذين صدّوا عنه وامّا الّذين آمنوا به ؛ لكن ادّاه هكذا اشارة الى تعليل قوله كفى بجهنّم سعيرا والى كونهم كافرين وانّ عليّا (ع) أعظم الآيات وانّ الكافر به كافر بجميع الآيات (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) اختلف كلمات الحكماء والصّوفيّة في كيفيّة خلود أهل النّار وعذابهم الدّائمىّ وأصحاب الشّرائع مطبقون على خلودهم وانّ المحكوم بكونه أهل السّجيّن لا نجاة له من داره وانّ لكلّ دار عمّارا هم أهلها لا يخرجون منها أبدا ، وتبديل جلودهم يكون بحسب ملكاتهم الرّديّة وعقائدهم الفاسدة وأخلاقهم الكاسدة فانّها من فروع الشّجرة الخبيثة ، والّتى اجتثّت من فوق الأرض مالها من قرار ، والمراد بالجلود امّا جلود الأبدان أو جلود الأرواح وهي أبدانهم الخبيثة ، والسّؤال بانّ المعاقب يصير غير المذنب ساقط من أصله لا جواب له (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً) لا مانع له من حكمه وعقوبته (حَكِيماً) لا يعاقب من غير استحقاق (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بعلىّ (ع) (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) حتّى كسبوا في ايمانهم خيرا (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) ثمّ صرف القول الى النّاس المحسودين بالخطاب لهم فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ) ايّها النّاس المحسودون الّذين أتاكم الله من فضله وأتاكم الكتاب والحكمة والملك العظيم (أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) شكرا لما أنعم به عليكم اى : لا تعطوها غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، والخطاب خاصّ بهم لكن يعمّ الأمر غيرهم أيضا لكونهم مأمورين بالتّأسّى بهم ولذلك عمّموا الآية في الاخبار.
تحقيق معنى الأمانات
والامانة ما يودع عند الأمين قصدا الى حفظه ونمائه ان كان له نماء ، وأمانات الله عند الإنسان كثيرة منها الامانة الّتى عرضها الله على السّماوات والأرض وهي أصلها وأساسها وأشرفها وأنماها وهي اللّطيفة السّيّارة الانسانيّة الّتى لا جوهر أشرف منها في خزائنه تعالى ، ولمّا أراد إخراجها من خزائنه وكان لها لنفاستها أعداء كثيرة طلب لها مأمنا من سماوات الأرواح فلم يكن فيها مأمن لا يداعها ، ثمّ عرضها على أراضي الأشباح من الملكوتين وجملة عالم الطّبع فلم يجد لها مأمنا ، ثمّ عرضها على