الشرط المذكور إذا الموصولة في مثل هذا المقام متضمّنة لمعنى الشّرط لكن يقدّر حينئذ بعد الفاء القول اى فيقال لهم : استبشروا ، والوجه الاوّل اولى لتناسبه لقوله وعدا عليه حقّا (وَذلِكَ) البيع الّذى بايعتم على أيدي خلفائه أو ذلك الوعد (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التَّائِبُونَ) هو على قراءة الرّفع مقطوع عن الصّفة للمدح أو مستأنف مقطوع عمّا قبله جوابا لسؤال مقدّر كأنّه قيل : من المؤمنون المستبشرون؟ ـ فقال : التّائبون ، وعلى كلا التّقديرين فهو خبر مبتدء محذوف ، ونسب الى المعصومين (ع) انّهم قرءوه بالجرّ صفة للمؤمنين والمراد التّائبون بالتّوبة الخاصّة على أيدي خلفاء الله الّتى هي من أجزاء البيعة المذكورة (الْعابِدُونَ) الصّائرون عبيدا خارجين من رقّيّة أنفسهم داخلين في رقّيّة مولاهم أو فاعلين فعل العبيد يعنى كان فعلهم بأمر مولاهم لا بأمر أنفسهم (الْحامِدُونَ) المعتقدون المشاهدون كلّ كمال وجمال من الله فانّه الحمد حقيقة الّذاكرون الله بكماله وجماله بألسنتهم طبق اعتقادهم وشهودهم (السَّائِحُونَ) في أراضي العالم الصّغير والعالم الكبير وفي اخبار الأمم الماضية وفي شرائع الأنبياء ومواعظ الأولياء ونصائحهم وفي الكتب السّماويّة ولا سيّما القرآن المهيمن على الكلّ وقد أشير في الاخبار الى كلّ ، وفسّر أيضا بالصّائمين وقد ورد انّ سياحة أمّتي الصّيام وهو من قبيل التّفسير بالسّبب ، فانّ الصّيام وهو منع القوى الحيوانيّة عن مشتهياتها يضعّفها وبتضعيفها يرتفع الحجاب عن المدارك الانسانيّة وينفتح بصيرة القلب وينطلق رجل العقل فيسيح في أراضي وجوده ويسرى سياحتها الى أراضي سيرة الأنبياء (ع) والأولياء (ع) وكتبهم ، أو يسرى الى سياحة العالم الكبير بالنّظر في آياته والعبرة من تقليباته بأهله فانّه السّياحة حقيقة لا المشي في وجه الأرض خاليا من ذلك النّظر وتلك العبرة (الرَّاكِعُونَ) بالرّكوع المخصوص الّذى هو من أركان الصّلوة الصّوريّة أو بإظهار الخضوع والّذلّ لله ولخلفائه (السَّاجِدُونَ) بسجدة الصّلوة أو بمطلق السّجدة لله أو بغاية الخضوع والتّذلّل (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) لأهالى عوالمهم أو لأهل العالم الكبير بعد استكمال أهالي عوالمهم والفراغ منهم (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) هكذا ، والإتيان بالعاطف لتماميّة السّبعة والعرب في التّعداد إذا تمّ عدد السّبعة يأتى بالواو وتسمّى وأو الثّمانيّة وسرّه تماميّة العوالم الكلّيّة الالهيّة بالسّبع ، وقد مضى في اوّل سورة البقرة تحقيق للأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر عند قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) (الاية) (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) بعد الفراغ من الأمر والنّهى بابقاء المأمورين والمنهيّين على الايتمار والانتهاء في العالم الصّغير والعالم الكبير والحافظون على حدود احكام الله من العبادات والمعاملات وغاياتها المقصودة منها ، مثل ان يحفظ في الصّلوة على الانقياد والخشوع والتّشبّه بالملائكة والشّخوص بين يدي الله والانصراف من التّوجّه الى عالم الطّبع والحيوان الى الله ، ومثل ان يحفظ في النّكاح على التّوالد وإبقاء النّسل وازدياد المودّة والرّحمة والاستيناس ، لا ان يكون نكاحه لمحض قضاء الشّهوة الحيوانيّة واللّذّة النّفسانيّة بل يكون حين اللّذّة حافظا لتلك الغايات ناظرا إليها ، وما ورد في تفسيره بالحفظ على الصّلوة بحفظ أوقاتها وركوعها وسجودها أو بحفظ احكام الله فهو مشير الى هذا المعنى.
أمّهات منازل السّالكين
اعلم ، انّ الآية الشّريفة جامعة لامّهات منازل السّالكين الى الله وأسفارهم مشيرة الى جميع مقامات السّائرين ، فانّ التّائبون اشارة الى منازلهم الحيوانيّة ومقاماتهم الخلقيّة لانّ التّوبة هي السّير من الخلق الى الحقّ وهو السّفر الاوّل من الاسفار الاربعة وللإنسان في هذا السّفر مقامات ومراحل عديدة وليس له الّا التّعب والكلفة ولا يوازى لذّته كلفته ، ولذا ترى أكثر السّالكين