(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) خصّ البشارة بالمؤمنين لانّ الإنذار عامّ لهم ولغيرهم والبشارة بنعم الآخرة لا تكون الّا للمؤمنين وقد يخصّ الإنذار بالكفّار لانّ إنذار المؤمنين لا يكون الّا من جهة غفلتهم وكفرهم الخفىّ (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ) كما يكون سلوك البدن بالمركب أو الرّجلين كذلك سلوك النّفس ومركبها ورجلاها الصّدق ، فالصّدق بحسب الظّاهر استعارة تخييليّة وإثبات القدم له ترشيح وتنكير الصّدق وافراد القدم اشارة الى كفاية ثبات قدم واحدة لشيء من الصّدق (عِنْدَ رَبِّهِمْ) لانّه يجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون فاذا ثبت لهم قدم واحدة من صدق ما فازوا بكلّما وعد الله المقرّبين ، وقد فسّر في الاخبار بالشّفاعة وبمحمّد (ص) وبالولاية والكلّ صحيح كما عرفت (قالَ الْكافِرُونَ) بيان لانكارهم الوحي المستفاد من تعجّبهم ولذا لم يأت بالعاطف وجعله جوابا للسّؤال عنهم (إِنَّ هذا) القرآن أو الادّعاء من محمّد (ص) أو تصرّفه في النّاس وصرفهم الى نفسه أو المجموع (لَساحِرٌ مُبِينٌ) كلّ فعل أو قول دقيق يؤثّر في النّفوس ولا يعلم سبب تأثيره يسمّى سحرا سواء كان بالتّصرّفات الملكوتيّة السّفليّة أو العلويّة أو امتزاجات القوى الرّوحانيّة مع القوى الطّبيعيّة أو بالتّصرّفات الطّبيعيّة المحضة (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) صرف الخطاب إليهم بعد ما أنكر عليهم ووبّخهم مزجا للوعد والوعيد والرّحم والغضب كما هو عادته تعالى وعادة خلفائه في الوعظ والنّصح من الشّروع في الإنذار والوعيد والختم بالبشارة والوعد ، ولذلك ختم بوعد المؤمنين بأبسط وجه وللتّباين بينهما لم يأت بأداة الوصل ، وقد سبق تفسير الآية بتمام اجزائها في سورة الأعراف (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) استيناف جواب لسؤال مقدّر أو حال عن فاعل خلق أو استوى منفردا أو على التّنازع ولمّا كان خلقة السّماوات والأرض وكذا استواؤه على العرش امرا قضى بحسب ظاهر الحسّ والتّدبير امرا يحتاج اليه المخلوق ما بقي ادّاه بالمضارع الدّالّ على التّجدّد ، والأمر يقال على كلّ فعل كما يقال : باىّ امر اشتغلت؟ وعلى حال الشّخص ، وعلى طلب الشّيء بحكومة ، وعلى فعل ذلك الطّلب ، وعلى المجرّدات الإله الخلق والأمر اشارة اليه ، وعلى المشيّة الّتى بها خلق الأشياء الّتى يعبّر عنها بوجه بالعرش وبوجه بالكرسىّ وهي الولاية المطلّقة والحقيقة المحمّدية (ص) ، والتّدبير عبارة عن النّظر في ادبار الأفعال والأحوال واختيار الأحسن غاية منها ، والمقصود انّ الّذى هو خالقكم غير غافل عنكم ينظر في أموركم وأحوالكم ويختار ما هو خير لكم بحسب دنياكم وآخرتكم ، ومنه إرسال رسول من جنسكم ، أو ينظر في الأمر الّذى هو عالم المجرّدات وكيفيّة تنزيله الى المادّيّات فينزلّه على وفق حكمته وما ننزّله الّا بقدر معلوم اقتضته قابليّاتكم اشارة اليه ، ومنه إرسال الملك فانّه لا يرسل الملك إليكم بلا واسطة بشر استعدّ لمشاهدته لانّه لو أرسل الى غير المستعدّ لاهلكه وهو خلاف التّدبير والنّظر في عاقبة الأمور وهكذا القول في بيانه ان فسّر الأمر بالمشيّة.
تحقيق تعلّق الشّفاعة ومنها الإفتاء للنّاس على الاجازة من الله
(ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) استيناف جواب لسؤال كأنّه قيل : أليس لأحد دخل في امر النّاس وحالهم؟ أو في تعلّق فعل الله وامره بعالم الطّبع؟ ولا شفاعة أصلا؟ ـ فقال : لا شفاعة الّا باذنه ودخل الشّفيع باذنه تدبيره تعالى لا غير ، أو حال متداخلة أو مترادفة ، والشّفاعة هاهنا بمعنى مسئلة العفو عن ذي سلطنة لغيره أو مسئلة الإحسان اليه وشاع استعماله